مقالات
هل للجماهير الشعبية من دور في قمع الحريات ؟؟؟
بقلم
: عطا أبو رزق
سؤال
كبير!، عند سماعه يتبادر لذهن القارئ بأن هذا ضرب من الجنون، ولسان حاله يقول كما
درجت العادة يريد
المسئولين تحميل الناس جملة أخطائهم. لقد أعتدنا على أن من يمارس الظلم والاضطهاد، النظم السياسية وحكوماتها بكل تفريعاتها وتشكيلاتها، وقد ينحصر الاتهام في شخص الرئيس أو الملك أو الحاكم ... الخ. وقد لا يتبادر للذهن بأن الجمهور العام قد يمارس القمع والاضطهاد، ولتبيان الجوانب التي تمارس فيها الجماهير دور المضطهد سأورد بعض الشواهد التاريخية القديمة والحديثة علها تكن دالة على يعنيه السؤال.
المسئولين تحميل الناس جملة أخطائهم. لقد أعتدنا على أن من يمارس الظلم والاضطهاد، النظم السياسية وحكوماتها بكل تفريعاتها وتشكيلاتها، وقد ينحصر الاتهام في شخص الرئيس أو الملك أو الحاكم ... الخ. وقد لا يتبادر للذهن بأن الجمهور العام قد يمارس القمع والاضطهاد، ولتبيان الجوانب التي تمارس فيها الجماهير دور المضطهد سأورد بعض الشواهد التاريخية القديمة والحديثة علها تكن دالة على يعنيه السؤال.
يقول
إبن سعيد الاندلسي فيما رواه عن أحمد بن محمد بن أحمد المقري يصف فيه مكانة العلم
في الاندلس : كل العلوم لها عندهم حظ واعتناء إلا الفلسفة والتنجيم (علوم الفلك)
فإن لها حظاً عظيماً عند خواصهم ولا يتظاهرون بها خوف العامة، فإنه كما قيل :
" فلان يقرأ الفلسفة أو يشتغل في التنجيم" أطلق عليه العامة اسم زنديق
وقيد عليه أنفاسه، فإن زل في شبهة رجموه بالحجارة أو أحرقوه قبل أن يصل أمره للسلطان
أو يقتله السلطان تقرباً للعامة.
وهكذا
حدث مع الفيلسوف ابن رشد حينما جدد فلسفة ارسطوطاليس وقال بأزلية المادة، وأنكر
خلود النفس، والف كتاب " تهافت التهافت " الذي رد فيه على كتاب الغزالي
" تهافت الفلاسفة " ، إذ أغاظ هذا الفيلسوف مجموع الفقهاء في الأندلس،
مما دفعهم لشكواه للمنصور، الذي أمر بدوره بإبعاده إلى اليسانة وهي بلدة قريبة من
قرطبة كانت مخصصه لليهود، وأن لا يخرج منها أبداً .
أما
حديثاً فإن البيض في الولايات المتحدة الأمريكية يحتقرون السود ويضطهدونهم
ويقتلونهم ولا تقوى حكومات الولايات المتحدة على حماية السود منهم. وليس ببعيد عنا
كان الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث كانت الأقلية البيضاء تضطهد الأكثرية
السوداء، وتصادر حقوقهم في الحرية والتملك والحكم وإدارة شؤون البلاد وهم أصحابها
الأصلين. والاتراك إلى وقت قريب كانوا يختصرون
عدد الأرمن بالسيف ويمنعونهم من التزايد المفرط، والصراع بين الهندوس والمسلمين في
الهند لم يتوقف وغالباً ما تنتهي حلقات الصراع بمقتل المئات من الطرفين، وهكذا
الحال فيما يتعلق بالصراع ما بين البوسنيين والصرب ،، وما بين الطوائف المختلفة في
لبنان ، وحالياً في العراق بين الشيعة والسنة وغيرهم من الطوائف الأخرى، وعن
الاحتلال الصهيوني لفلسطين ومحاولات إحلال المستوطنين القادمين من مختلف أصقاع
الأرض مكان الفلسطينيين القاطنين على أرضهم من الألاف السنين فحدث ولا حرج.
إن
ما أوردناه من شواهد تاريخية قديمة وحديثة موجزة تؤكد بأن الجمهور قد يقوم بدور
المضطهد وقامع للحريات، ويقول علماء الاجتماع بأن هذا الاضطهاد لا يمكن معالجته
بالقوانين، لأنه قائم على درجة الثقافة الفاشية في الأمة ومقدار ما فيها من تغرضات
وعصبيات قبلية قديمة، وأن القوانين تعجز عن تأديب الجمهور إذا لم تكن مدعومة برأي
عام ومؤيداً شديداً لها . فإذا كان الرأي العام يروج للتعصب ويدعوا إلى الاضطهاد
فإن الحكومة بكل ما فيها من نيات حسنة لا تستطيع الاصلاح إلا بنشر الثقافة وحماية
المثقفين وقشع غيوم الخرافات والخزعبلات من رؤوس الجمهور وهذا أمر يحتاج إلى وقت
طويل لكي يحقق نتائج إيجابية.
لا
يجب أن يفهم من هذا الحديث أن هناك محاولة لرفع اللوم عن الحكام وظلمهم وقمعهم
للحريات أو محاولة لحرف الانظار عن ذلك، بل إنه لمزيد من تسليط الأضواء على كافة
جوانب الاضطهاد وقمع الحريات وأدوار كل طرف فيها ، فالأمة هي عبارة عن نسيج
اجتماعي بكل ما فيه من تناقضات، وأن الحكام هم جزء من هذا النسيج ويحملون افكاره
وتوجهاته السلبية والإيجابية، فإن كانوا ممن يدعون للتعصب والتطرف فإنهم سيشجعون
التعصب والتطرف ودعاته في المجتمع ويذهبون به إلى أقصى مدى يمكنهم وصوله، وإن
كانوا على النقيض من ذلك فإنهم سيحاولن السير في اتجاه اشاعة الحريات بالقدر الذي
لا يستفز المتعصبين والمتطرفين خصوصاً لو كانوا ممن يدعون التدين .