جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

عرض كتاب

السياسة الأمريكية تجاه العرب .. كيف تصنع؟ ومن يصنعها؟





عرض: أيمن حمودة
الكتاب : السياسة الأمريكية تجاه العرب .. كيف تصنع؟ ومن يصنعها؟ تأليف: د. فواز جرجس الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت عدد الصفحات: 184 صفحة * الرئيس الأمريكي يمتلك سلطات واسعة..
الكتاب : السياسة الأمريكية تجاه العرب .. كيف تصنع؟ ومن يصنعها؟
تأليف: د. فواز جرجس
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت
عدد الصفحات: 184 صفحة
* الرئيس الأمريكي يمتلك سلطات واسعة في الشؤون الخارجية فهو الرئيس التنفيذي، والقائد العام للقوات المسلحة، وكبير الدبلوماسيين
* خلال مرحلة الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة مسكونة بهواجس التهديد السوفيتي
* تعتبر لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية »إيباك« من أكثر المنظمات الصهيونية فعالية في ساحة السياسة الخارجية الأمريكية
* الهدف الرئيس لمؤسسة الاستخبارات الأمريكية هو توفير المعلومات التي تساعد السلطة التنفيذية علي اتخاذ القرارات المثلي
* في العقدين الأولين من وجود إسرائيل، وبالرغم من ضغط اللوبي الصهيوني فإن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية اقتصرت علي الاعتراف السياسي والمعنوي والمساعدات المالية الضعيفة
* صناع السياسة الأمريكية يدركون تمامًا أنهم كلما جاهروا بمساندتهم لإسرائيل كوفئوا أكثر في صناديق الاقتراع
* مكن الجو العدائي ضد عبد الناصر في الولايات المتحدة اللوبي المؤيد لإسرائيل من التشديد علي أهمية وفوائد التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب
* عقب حرب حزيران/ يونيو عام 1967 أصبحت إسرائيل حلقة مركزية مهمة بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة العربية
* الجالية العربية والإسلامية الأمريكية ما زالت هامشية سياسيا في الولايات المتحدة
* التيار العام لوسائل الإعلام الأمريكية يعكس مشاعر القيادة السياسية الأمريكية وهمومها
* إسرائيل كانت هي القائد الرئيس في كامب ديفيد، حيث أدت الاتفاقية إلي خروج مصر من منظومة البلدان العربية وتمزيق الصف العربي وتقوية قبضة إسرائيل علي جيرانها العرب
* علي الرغم من التزام الولايات المتحدة أخلاقيا وأيديولوجيا بحماية إسرئيل إلا أن هدفها الأساس هو ضمان الحصول علي نفط عربي رخيص من منطقة الخليج وخاصة من السعودية
لم تعد دراسة وفهم الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها الخارجية ترفًا أو حبًا في المعرفة والاطلاع، بل باتت ضرورة تفرضها هيمنة الولايات المتحدة علي قيادة النظام العالمي واعتبارها القطب الأوحد والأهم في هذا النظام، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، ومن ثم ثقل دورها كقوة خارجية مهيمنة علي مجريات الأحداث في المنطقة العربية منذ انتصارها علي العراق في حرب الخليج الثانية عام 1991 بصفة خاصة.
وهذا الفهم يستلزم تحليل عملية اتخاذ القرار السياسي في الدولة وآليات صنع السياسة الخارجية فيها وتوجهاتها ومحدداتها في المنطقة العربية وطبيعة دور المؤسسات والجهات المجتمعية والحكومية في هذه العملية، ودور جماعات الضغط واللوبي الصهيوني في توجيه هذه السياسة والتأثير في حركتها واتجاهاتها لخدمة مصالح الكيان الصهيوني في المنطقة العربية ودعمه في مواجهة العرب فكيف تتم صناعة السياسة الخارجية - الأمريكية؟ ومن يصنعها؟
سؤالان محوريان إجابتهما في السطور التالية..
وأهمية الدراسة - التي بين أيدينا - تكمن في أنها لا تقدم سردًا أو عرضًا تاريخيا للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية، وإنما تهدف إلي تحليل عملية اتخاذ القرار السياسي في الولايات المتحدة وعملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الوطن العربي، ودور الجهات والمؤسسات المجتمعية والحكومية في هذه العملية »السلطة التنفيذية، الكونجرس، وزارة الخارجية، جماعات المصالح وجماعات الضغط أو اللوبي، أجهزة الإعلام، وأجهزة الاستخبارات... إلخ«.
ومن بين الجهات والمؤسسات المجتمعية والحكومية السابقة تركز الدراسة علي العلاقة المعقدة والمهمة بين الرئيس والكونجرس وجماعات الضغط التي تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية.

ويتكون هذا الكتاب من خمسة فصول رئيسة وخاتمة:
الفصل الأول: دور السلطة التنفيذية.
الفصل الثاني: دور أجهزة الاستخبارات ووزارة الخارجية.
الفصل الثالث: دور الكونجرس.
الفصل الرابع: الساحة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة.
الفصل الخامس: السياسة الأمريكية والصراع العربي - الإسرائيلي ونفط الخليج.
الخاتمة: السياسة الأمريكية في المنطقة العربية.. مزايدة بين الرئيس والكونجرس علي دعم إسرائيل.
الفصل الأول: دور السلطة التنفيذية
وفقًا للمادة الثانية من الدستور الأمريكي فإن الرئيس الأمريكي يمتلك سلطات واسعة وعديدة في الشؤون الخارجية فهو الرئيس التنفيذي والقائد العام للقوات المسلحة وكبير المفاوضين والدبلوماسيين.
ويبدو الصراع واضحًا بين الرئيس الأمريكي والكونجرس في مجال السياسة الخارجية عنه في أي مجال آخر، وبالرغم من أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة قد أعطت للرئيس سلطات واسعة في مجال العلاقات الدولية والشؤون الخارجية، بينما قللت من سلطات الكونجرس - إلا أن سياسة الرئيس في مجال الشؤون الخارجية ليست مطلقة ولكنها مقيدة وتخضع لتأثيرات داخلية وقوي أخري مثل: مجلس الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات، ووزارة الخارجية والكونجرس، وجماعات الضغوط، وخاصة المؤيدة لإسرائيل فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية في المنطقة العربية والصراع العربي - الإسرائيلي.
أولاً - مستويات التحليل الثلاثة: العالمي والإقليمي والمحلي
لا يمكن فهم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية إلا بالنظر إلي ثلاثة مستويات من التحليل: العالمي، الإقليمي، المحلي أو الوطني، فخلال معظم مرحلة الحرب الباردة من الخمسينيات إلي بداية التسعينيات كانت النظرة العالمية هي المسيطرة علي مجري السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية باستثناء إدارتي كيندي في بداية الستينيات وكارتر في منتصف السبعينيات اللذين غلَّبا النظرة الإقليمية علي النظرة العالمية.
فخلال مرحلة الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة متوجسة وخائفة من التهديد السوفيتي والشيوعية، لذا بذلت الولايات المتحدة جهودًا كبيرة لمنع النفوذ السوفيتي من التوغل في المنطقة العربية لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وخاصة ضمان تدفق النفط من دول الخليج للولايات المتحدة وحماية إسرائيل، والتي نجح اللوبي اليهودي في أمريكا وقادة إسرائيل في تصوير إسرائيل بأنها الحصن الآمن ضد القومية العربية الثورية وراعيتها الشيوعية السوفيتية، وقد كان هناك إجماع بين الكونجرس والسلطة التنفيذية - ولكنه نسبي - حول أهمية إسرائيل لاحتواء المنطقة العربية في إطار صراعات الحرب الباردة.
ثانيا - السلطة التنفيذية والسياسة الداخلية
نظرًا لبناء الحكومة الأمريكية علي مبدأ الفصل بين السلطات والتوازنات بين القوي، فإنها أكثر استجابة لجهود الضغط التي تمارسها مختلف جماعات الضغط والمصالح، وينطبق هذا الأمر تمامًا علي المنطقة العربية وبالأخص الصراع العربي - الإسرائيلي.
فلا يمكن لصانع السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية أو تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي تجاهل جماعات الضغط أو اللوبي اليهودي القوي والمنظم في أمريكا والمؤيد بقوة لإسرائيل، وأبرز المنظمات الصهيونية فعالية ضمن الجالية اليهودية في أمريكا لجنة العلاقات العامة الأمريكية - الإسرائيلية »إيباك«.
وبالرغم من وجود اختلافات بين هذه المنظمات حول بعض القضايا مثل: الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام ،1982 والذي عارضته بعض هذه المنظمات أو رفض البعض الآخر لمؤتمر مدريد للسلام عام ،1991 إلا أن هذه المنظمات دائمًا ما تحاول إظهار نفسها بأنها جبهة واحدة مؤيدة لإسرائيل وتمتنع عن انتقاد إسرائيل لكي لا تضعف موقفها وقوة مساومتها داخل الولايات المتحدة.
وإذا كان الكونجرس في الفترات الماضية كان أكثر ميلاً من مؤسسة الرئاسة للإذعان لضغوط جماعات المصالح، إلا أن هذا الحال تغير الآن، فأصبحت مؤسسة الرئاسة أكثر استجابة وتقبلاً لجماعات المصالح، وهذا يرجع لحاجة الرئيس الأمريكي للدعم المالي القوي لحملته الانتخابية من هذه الجماعات، وتعتبر الجالية اليهودية أكبر الجماعات تبرعًا ماديا في الحملات الانتخابية المحلية والفيدرالية.
أما الجالية العربية - الإسلامية فقد بدأت تفرض وجودها علي الساحة السياسية الأمريكية ساعدها علي أن تكون لها فاعلية في المجتمع الأمريكي مجموعة من العوامل منها:
- الدعم الموحد للفلسطينيين.
- ازدياد المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، وخاصة ضمان تدفق النفط من المملكة العربية السعودية.
- ازدياد الجالية العربية - الإسلامية تنظيمًا وأموالاً، وتعاطف جماعات الأقليات الأمريكية مع الفلسطينيين.
وأبرز دليل علي فعالية هذه الجالية العربية - الإسلامية توجه الرئيس الأمريكي كلينتون في حملة إعادة انتخابه للجالية العربية - الإسلامية طالبًا دعمها له.
ثالثًا - السلطة التنفيذية والمصلحة القومية
من بين فروع الحكومة تميل مؤسسة الرئاسة »قمة السلطة التنفيذية« لأن تكون متوافقة مع السياق الأوسع للمصالح القومية الأمريكية، وأن تكون لها نظرة شاملة لحماية هذه المصالح، وبالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية فإن شخصية الرئيس وإدراكه يحددان الطريق الذي تسلكه عملية وضع المخططات الخاصة بالمنطقة العربية وتنفيذ هذه المخططات، فبينما نظر كل من هاري ترومان وأيزنهاور وجونسون ونيكسون ورونالد ريجان للمنطقة العربية بعقلية الحرب الباردة، وبالتالي وضعوا سياسات لاحتواء الاتحاد السوفيتي وانحازوا لإسرائيل باعتبارها الحصن الآمن لمواجهة النفوذ السوفيتي في المنطقة العربية، فإن كلاً من جون كيندي وكارتر وجورج بوش اتبعوا سياسات عالجت جزئيا ديناميات إقليمية أوسع نطاقًا وبذلوا جهودًا كبيرة لمحاولة حل الصراع العربي - الإسرائيلي.
الفصل الثاني
دور أجهزة الاستخبارات ووزارة الخارجية
تلعب أجهزة الاستخبارات الأمريكية دورًا مهمًا في صنع السياسة الخارجية حيث تقوم بتوفير المعلومات للسلطة التنفيذية، وخاصة للرئاسة، وغالبًا ما يتخذ الرئيس الأمريكي مواقفه من القضايا الدولية وفقًا لتقارير الاستخبارات وتحليلاتها، وأكثر الرؤساء الأمريكيين فعالية في الشؤون الخارجية هو الرئيس الذي ينجح في إقامة علاقات عمل جيدة مع مؤسسة الاستخبارات.
وتتعدد أجهزة الاستخبارات وتتنوع بتنوع مجال عملها، ويصل عددها إلي 14 جهاز استخبارات أبرزهم وكالة الاستخبارات المركزية C. I. A، ووكالة الأمن القومي.
أولاً - وكالة الاستخبارات المركزية (C. I. A)
تعتبر وكالة الاستخبارات المركزية المحور الرئيس للاستخبارات الأمريكية والمصدر الأساس للمعلومات بالنسبة للسلطة التنفيذية، وقد شُكِّلَت عام ،1947 ويبلغ عدد موظفيها الآن حوالي 500.16 موظف، ولها ميزانية تقدر بمليار دولار سنويا، وقد استخدمت إدارتا ترومان وأيزنهاور الوكالة كأداة سرية لمعالجة قضايا السياسة الخارجية المعقدة، فعلي سبيل المثال فوَّض الرئيس الأمريكي أيزنهاور الوكالة عامي ،1953 1954 لإسقاط الحكومتين القوميتين الدستوريتين في إيران وغواتيمالا، وقد نجحت الوكالة من خلال الدعاية وعمليات التخريب في ذلك، كما حاول أيزنهاور استخدام الوكالة في إسقاط الحكومة الوطنية في سوريا عام ،1957 ولكنها فشلت في ذلك بسبب تدخل الرئيس عبد الناصر ودعمه للحكومة السورية عسكريا ومعنويا وسياسيا.
كما فشلت الوكالة في حماية النظام الملكي في العراق الموالي للغرب عام ،1958 حيث فوجئت بانقلاب عسكري قومي ووطني أسقط الملكية الموالية للغرب في العراق، ونظرت الوكالة لهذا الانقلاب علي أنه مؤامرة سوفيتية مدعومة من الرئيس عبد الناصر للسيطرة علي المنطقة العربية.
ثانيا - عملية أجاكس
عقب تولي الزعيم الإيراني الوطني محمد مصدق رئاسة الوزراء في إيران في آذار/ مارس عام 1951 سعي مصدق للاستقلال التام بإيران عن النفوذ الأجنبي، وخاصة في مجال النفط، ودعا إلي تأميم شركة النفط الأنغلو - إيرانية (أيوك)، وأعلن عن تشكيل شركة النفط الوطنية الإيرانية، وهو ما أثار بريطانيا وأمريكا لاحتكارهما معًا النفط الإيراني من خلال عدة شركات مشتركة تعمل في إيران، وقد تعرض مصدق لحملة بريطانية عنيفة لتشويه صورته، حيث صورته بريطانيا علي أنه شيوعي تخريبي يسعي لإحلال الاتحاد السوفيتي محل الغرب في منطقة الخليج وأقنعت بريطانيا حليفتها الولايات المتحدة بذلك، وهو ما دعي الرئيس الأمريكي أيزنهاور لإعطاء الضوء الأخضر لوكالة الاستخبارات المركزية للتخلص من مصدق وإعادة الشاه للسلطة في إيران بهدف تأمين الحصول علي النفط وإقامة حاجز بين الاتحاد السوفيتي والمنطقة العربية، وعرفت تلك العملية باسم »أجاكس« وقد نجحت وكالة الاستخبارات المركزية في إسقاط حكومة مصدق واستبداله برئيس وزراء آخر أكثر مرونة بالنسبة لواشنطن وهو فضل الله زاهري، وتكونت شركة نفط جديدة سيطر البريطانيون والأمريكيون علي 80% من حصتها وأرباحها.
وبالرغم من نجاح جهاز الـ C. I. A في عملية أجاكس، إلا أنه فشل في التنبؤ بقيام الثورة الإيرانية الإسلامية بقيادة الخوميني عام 1979 بسبب تركيز الـ C. I. A علي التهديد السوفيتي في المنطقة العربية »الخطر الخارجي« وإهماله للخطر الداخلي الذي واجه نظام في الشاه داخل إيران.
الخلاصة أن وكالة الاستخبارات الأمريكية تمتلك القدرة علي التأثير في رسم السياسة الخارجية الأمريكية سلبًا وإيجابًا، ولكن كان تأثيرها سلبيا جدًا في السياسة الخارجية الأمريكية إبان فترة الحرب الباردة.
ثالثًا - السلطة التنفيذية ووزارة الخارجية:
تأسست وزارة الخارجية الأمريكية عام 1789 مع وزارتي الدفاع والمالية، أما وزارة الخارجية الحديثة فتعود إلي فترة ما بعد الحرب العالمية الأولي بعد التصديق علي قانون روجز عام ،1924 ونتيجة لهذا القانون أصبح للولايات المتحدة ولأول مرة سلك دبلوماسي محترف، ويعد وزير الخارجية هو الموظف الأعلي في الحكومة والمستشار الأول للرئيس في السياسة الخارجية، والمهمة الأساسية لوزارة الخارجية هي العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والبلدان الأخرى.
وبعد الحرب العالمية الثانية أضيفت مهام غير سياسية لوزارة الخارجية منها: المساعدات الخارجية والدعاية والعلاقات الاقتصادية، والقضايا العسكرية والنشاطات الأمريكية في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية لمنظمة الدول الأمريكية، وتبلغ ميزانية الوزارة 8.1 مليار دولار وتعد وزارة الخارجية من أصغر الوزارات التنفيذية فموظفو وزارة الصحة علي سبيل المثال خمس أضعاف عدد موظفي وزارة الخارجية.
وقد شهدت حقبة الأربعينيات والخمسينيات تضاؤل دور وزارة الخارجية في صنع السياسة الخارجية بسبب مشاركة الجهاز الأمني الممثل في البنتاجون ومجلس الأمن القومي، ومؤسسة الاستخبارات في صنع السياسة الخارجية لخوض الحرب الباردة.
وقد شهدت حقبة السبعينيات تزايد دور وزارة الخارجية في صنع السياسة الخارجية خاصة مع تولي هنري كيسنجر وزارة الخارجية عام ،1971 واستحوازه علي ثقة الرئيس نيكسون، وإن كانت وزارة الخارجية الآن تواجه صعوبات في اغتنام المبادرة في الشؤون الخارجية، ومن هذه الصعوبات تصرف الرؤساء الأمريكيين باستمرار وكأنهم وزراء خارجية وجعل وزارة الخارجية كبش الفداء في حالة فشل السياسة الخارجية، ونسب نجاح هذه السياسة إليهم في حالة نجاحها.
رابعًا - المستعربون ووزارة الخارجية:
مصطلح »المستعربون« يستخدم للدلالة علي الانحياز والميل إلي الغرب عند بعض دبلوماسي السلك الخارجي في الولايات المتحدة، وغالبًا ما يتعرض هؤلاء لحملات عدائية من قبل بعض لجان العمل وصناع الرأي واللوبي المؤيد والإسرائيلي.
وبالنسبة لوزارة الخارجية فقد دعت منذ بداية الصراع العربي - الإسرائيلي إلي حل شامل يأخذ في الاعتبار مصالح الطرفين: العرب وإسرائيل، وليس فقط مصالح إسرائيل، وحذرت من النظر للصراع باعتباره جزءًا من الصراع بين الشرق والغرب مؤكدة علي جذوره المحلية، وهو ما أدي لعداء إسرائيل وعدم ثقتها بوزارة الخارجية وموظفي السلك الدبلوماسي، لذا لم يكن من المستغرب أن يتراجع دور وزارة الخارجية ابتداءً من إدارة نيكسون في صنع السياسة الخارجية لصالح أجهزة تنفيذية أخري كمجلس الأمن القومي ومستشاري الرئيس الأمريكي الخصوصيين وتعد حالة إدارة الرئيس كلينتون أبرز مثال علي ذلك، إذ يعتمد كلينتون علي مستشاريه من مجلس الأمن القومي أكثر من اعتماده علي وزارة الخارجية لصنع السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية، فمارتن أنديك - مستشار كلينتون الخاص في مجلس الأمن القومي - هو صاحب سياسة الاحتواء المزدوج تجاه العراق وإيران، وليس وزارة الخارجية.
وفي الآونة الأخيرة فقد المستعربون كثيرًا من قدرتهم داخل وزارة الخارجية، حيث سيطر اللوبي المؤيد لإسرائيل لأول مرة في تاريخ الوزارة سيطرةً شبه تامة علي المناصب الحساسة في وزارة الخارجية.
بل إن غالبية فريق عملية السلام في الإدارة الأمريكية يتكون من أشخاص عملوا لفترات طويلة في مجموعة الضغط المحلية المؤيدة لإسرائيل، أبرزهم مارتن أنديك الذي يشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط.
الفصل الثالث
دور الكونجرس
مارست السلطة التنفيذية منذ الثلاثينيات وحتي بداية السبعينيات احتكارًا هائلاً في تسير الشؤون الخارجية، وكان الكونجرس في هذه الفترة مذعنًا ومنحازًا لدعم الرئيس في معظم مبادرات السياسة الخارجية.
ولكن شهدت فترة السبعينيات تحولاً كبيرًا في مجال علاقة الكونجرس بالبيت الأبيض والرئاسة، حيث بدأ الكونجرس هجومه لاستعادة دوره المفقود في صنع السياسة الخارجية، فبذل جهودًا كبيرة للحد من سلطات الرئاسة، وخاصة في شن الحرب، ففي عام 1973 صادق الكونجرس علي قانون سلطات الحرب للحد من سلطة الرئيس في إرسال القوات إلي الخارج، خاصة بعد تجربة حرب فيتنام المكروهة من الشعب الأمريكي، كما صادق الكونجرس في السنوات التالية علي قوانين أخري تقيد السلطة التنفيذية، منها: قانون الرقابة علي تصدير الأسلحة عام 1975.
ولكن بالرغم من لعب الكونجرس دورًا كبيرًا في صنع السياسة الخارجية الأمريكية منذ السبعينيات - إلا أنه كانت تنقصه المبادرة الحقيقية لانتزاع السيطرة علي السياسة الخارجية من البيت الأبيض لأسباب عديدة منها: احتكار السلطة التنفيذية للمعلومات في مجال الاستخبارات والدبلوماسية والدفاع... إلخ، وبناء علي ذلك فإنه من الصعب علي الكونجرس وضع أية سياسة موضع التنفيذ فهو يمارس رقابة سلبية علي السلطة التنفيذية.
أولاً - الكونجرس والمنطقة العربية
يمارس الكونجرس نفوذًا حاسمًا في سياسة الولايات المتحدة إزاء المنطقة العربية أكثر من أي مكان آخر في العالم، وهذا يرجع لاعتبارات عديدة منها: المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، وخاصة النفط، الصراع العربي - الإسرائيلي، المساعدات الأمريكية لإسرائيل فمن خلال الكونجرس يتم تخصيص المساعدات الخارجية بمختلف أنواعها، وقد ازداد مستوي المساعدات الأمريكية لإسرائيل باستمرار، ووصل الآن لحوالي 3 مليار دولار سنويا والكونجرس لا يوافق علي هذه المساعدات بشكل روتيني، ولكنه يزايد علي السلطة التنفيذية في زيادتها، وغالبًا ما يعجز الرئيس الأمريكي عن استعمال المساعدات الخارجية للضغط علي تل أبيب لتقديم تنازلات علي جبهة السلام، وهذا يرجع لوجود لوبي إسرائيلي قوي ومنظم له تأثير كبير علي الكونجرس، وهذا ما يفسر عدم قدرة الرئيس الأمريكي كلينتون علي ممارسة أي ضغوط علي رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو لدفع عملية السلام المتعثرة بسبب تعنت نتنياهو.
               وقد ذهب الكونجرس عام 1996 إلي أبعد من ذلك في موالاة ومحاباة إسرائيل عندما طالب بتحويل السفارة الأمريكية في إسرائيل للقدس، وقليل من الرؤساء الأمريكيين من لديه القوة وعدم الخوف من الكونجرس ولا من اللوبي اليهودي مثل الرئيس بوش الذي حذَّر حكومة الليكود بزعامة شامير عام 1991 من أنه لن يقدم مساعدات مالية قدرها 400 مليون دولار لإسكان اليهود السوفيت في إسرائيل ما لم تمتنع إسرائيل عن بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد التزم بوش بتحذيره مما عرضه لحملة عنيفة من اللوبي اليهودي في وسائل الإعلام، حيث اتهمته جماعات الضغط الموالية لإسرائيل هو ووزير خارجيته بيكر بأنهما عدو لإسرائيل.
ثانيا - إيران كرة قدم سياسية بين الكونجرس والسلطة التنفيذية
تعتبر حالة إيران والعلاقات معها أبرز مثال علي نفوذ السلطة التشريعية والكونجرس في التأثير علي السلطة التنفيذية، في رسم السياسة الخارجية والمشاركة فيها، ففي الوقت الذي ظهر فيه اتجاه داخل مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية لتحسين العلاقات مع إيران، قام الكونجرس من خلال نوابه، وخاصة الجمهوريين بشن حملة عنيفة ضد إيران متهمًا إياها بالإرهاب وزعامة الإسلام الثوري في منطقة الشرق الأوسط والعالم، والأكثر من هذا مطالبة رئيس مجلس النواب الأمريكي نيوت غنغريش الإدارة الأمريكية بتمويل عمليات سرية لتغيير الحكومة الإيرانية، وقد وافقت الإدارة ووكالة الاستخبارات الأمريكية علي ذلك في كانون أول/ ديسمبر عام ،1995 بالرغم من إيمانها بعدم جدوي ذلك لعدم وجود معارضة إيرانية قوية.
وفي صيف 1996 اضطر الرئيس كلينتون تحت ضغط الكونجرس إلي الموافقة علي تشريع أصدره الكونجرس يعاقب أي شركة أجنبية تستثمر أكثر من 40 مليون دولار في القطاعين الصناعي والنفطي في إيران وهو القانون الذي لقي معارضة من الدول الأوروبية واليابان.
الفصل الرابع
الساحة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة
تلعب جماعات المصالح في الولايات المتحدة دورًا كبيرًا ومهمًا في عملية صنع السياسة الخارجية، وبالرغم من أن التأثير السياسي لجماعات الضغط ليس مرئيا لعامة الناس، إلا أن صناع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة يدركون فعالية هذه الجماعات، ومن ثم فهم يتبعون السياسات التي تحظي برضاها أو علي الأقل بسكوتها، ويعد اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة أبرز مثال علي ذلك.
فبفضل تأثير هذا اللوبي المؤيد لإسرائيل علي صناع السياسة الخارجية أصبحت إسرائيل هي المتلقي الأكبر للمساعدات الخارجية الأمريكية في العالم والحليف الأفضل والخاص لها، والتي يمكن للولايات المتحدة - كما قال بعض رؤساءها - أن تدخل الحرب للحفاظ علي سيادة إسرائيل واستقلالها.
أولاً - اللوبي المؤيد لإسرائيل
ترجع الجذور التاريخية لظهور اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة إلي سنوات ما بين حربي عام 1918 - 1939 والهجوم النازي بزعامة هتلر علي اليهود، وهو ما دفع مئات الآلاف من اليهود للانخراط في الحركة الصهيونية العالمية وبحدود عام 1948 كان عدد الصهاينة الأمريكيين حوالي مليون صهيوني، أي خمس عدد اليهود المستقرين في الولايات المتحدة، ومع قيام دولة إسرائيل في آيار/ مايو عام 1948 احتاجت إسرائيل ثلاثة أشياء من اليهود الأمريكيين:
1 - التبرع ماليا للدولة اليهودية الناشئة.
2 - استعمال نفوذهم السياسي في الولايات المتحدة لدعم إسرائيل.
3 - الهجرة والعيش في إسرائيل.
وقد فضل غالبية اليهود الأمريكيين البقاء في أمريكا وتدعيم إسرائيل ماديا وسياسيا.
وفي عام 1954 ظهر أول لوبي صهيوني في الولايات المتحدة تحت مسمي: مجلس الشؤون العامة الصهيوني - الأمريكي، وكان هدفه تعميق العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية وموازنة التأثير الملموس لمجموعة المستعربين في وزارة الخارجية الأمريكية.
وفي العقدين الأولين من وجود إسرائيل، وبالرغم من ضغط اللوبي الصهيوني، فإن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية كانت مقتصرة علي الاعتراف المعنوي والسياسي وبعض المساعدات المالية المتواضعة ولم يكن للوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل تأثير كبير علي صناع السياسة الأمريكية، وهذا يرجع لاعتبارات عديدة منها:
1 - وجود مصالح أمريكية كبيرة مع الدول العربية، وخاصة الخليجية الغنية بالنفط لضمان تدفق النفط للولايات المتحدة، وقد رأي صناع السياسة الأمريكية أن تحالفًا وثيقًا مع إسرائيل قد يخرب العلاقات الأمريكية مع الوطن العربي والعالم الإسلامي، وقد يدفع الدول العربية لإقامة علاقات قوية مع الاتحاد السوفيتي.
2 - خشية وزارة الدفاع الأمريكية من أن أية حرب عربية - إسرائيلية يمكن أن تورط الاتحاد السوفيتي لمساندة الدول العربية، ومن ثم تعرض السلام العالمي للخطر.
ثانيا - قوة اللوبي المؤيد لإسرائيل
شهدت حقبة الستينيات تحولاً كبيرًا في طبيعة العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية حيث تحولت هذه العلاقات من الاعتراف المعنوي والسياسي والدعم المالي الضعيف إلي التحالف الاستراتيجي القوي، وهذا يرجع لنجاح اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة في كسب المجتمع المدني الأمريكي، وبخاصة السياسيون وصناع الرأي في أجهزة الإعلام والجامعات، وذلك من خلال تصوير إسرائيل علي أنها تجربة مشابهة للتجربة الأمريكية من حيث التكوين والتأسيس فكلا البلدين تأسس من قبل أناس مستوطنين هاجروا من أوروبا بحثًا عن الحرية الفردية والازدهار الاقتصادي، وأن كلا البلدين ديموقراطيين محاطين بحكومات وثقافات استبدادية.
وهناك سبب آخر للتحول في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، وهو: صعود القومية العربية الثورية التي قادها الرئيس المصري عبد الناصر ورفضًا لسياسة الاحتواء الغربي وقرارته المستفزة للولايات المتحدة ومنها: شراء الأسلحة من الاتحاد السوفيتي والاعتراف بالصين الشعبية، ومشاركته في تأسيس حركة عدم الانحياز، ودعوته للاتحاد السوفيتي للمشاركة في دبلوماسية المنطقة العربية، كل هذا أدي لوجود جو عدائي ضد عبد الناصر في الولايات المتحدة مكَّن اللوبي المؤيد لإسرائيل من التشديد علي فوائد التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب باعتبار إسرائيل الحصن المنيع ضد القومية العربية الراديكالية والشيوعية السوفيتية.
وبعد عام 1967 أصبحت إسرائيل حلقة مركزية مهمة بالنسبة للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية وتوثقت علاقاتها مع الولايات المتحدة وقفزت المساعدات الاقتصادية الأمريكية لإسرائيل من 15 مليون دولار عام 1967 إلي 75 مليون دولار عام ،1968 وفي السبعينيات نجح الرئيس كارتر في عقد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل أنهت حالة الحرب بين البلدين، وقد أدي خروج مصر من منظومة البلدان العربية إلي إضعافها وتمزيق الصف العربي، وتقوية قبضة إسرائيل وحلفائها، وفي التسعينيات وخاصة بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أدرك بعض الزعماء العرب قوة اللوبي المؤيد لإسرائيل في أمريكا، لذا فعندما يريدون خدمة من واشنطن فإنهم يقومون بإقناع اللوبي المؤيد لإسرائيل ليقول كلمة طيبة عنهم أمام الدوائر السياسية الأمريكية.
ومن الملاحظات المهمة علي اللوبي المؤيد لإسرائيل في أمريكا سيطرة وهيمنة اللوبي المؤيد لليكود فإيباك أقوي المنظمات الصهيونية في أمريكا تعد أداة لحزب الليكود الإسرائيلي في أمريكا، وقد اشتكي رابين وبيريز مرارًا من أن مبادرات السلام يتم تخريبها من قبل إيباك.
وفي عام 1998 وبعد وصول نتنياهو للسلطة في إسرائيل وبعد ضغوط عليه لقبول خطة الانسحاب المتواضعة 13% من الأراضي الفلسطينية المحتلة نجحت إيباك في جمع توقيع 81 سناتورًا أمريكيا علي رسالة لكلينتون ترفض الضغط علي نتنياهو لدفعه لقبول خطة الانسحاب، فجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل أصبحت تحت رحمة اللوبي الليكودي الذي يطالب بكل شيء ويرفض أي نقد لسياسات إسرائيل المتطرفة.
ثالثًا - اللوبي العربي
حفَّز النشاط اليهودي في الولايات المتحدة العرب الأمريكيين لكي ينظموا أنفسهم سياسيا ويحاولوا المشاركة في الحياة السياسية الأمريكية فتأسست الجمعية الوطنية للعرب الأمريكيين للضغط علي حكومة الولايات المتحدة لكي تتخذ موافقة مؤيدة للقضايا العربية.
ولكن حتي الآن فإن الجالية العربية والإسلامية ما زالت هامشية سياسيا في الولايات المتحدة وأغلب عملها دفاعي لدحض الاتهامات الموجهة ضد جالياتها بالإرهاب، وخاصة بعد حادث تفجير المركز التجاري العالمي في نيويورك عام 1993م.
رابعًا - دور وسائل الإعلام في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة في المنطقة العربية
وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدة هي جزء لا يتجزأ من العملية السياسية الأمريكية وشريكة ومساهمة بطريقة غير مباشرة مع نخبة السياسة الخارجية في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، والبعض يراها بمثابة الذراع الداعم للنخبة السياسية المسيطرة في الولايات المتحدة، وهو ما يفسر اعتماد وسائل الإعلام علي المصادر الحكومية في قصصها الإخبارية، فالتيار العام لوسائل الإعلام يعكس مشاعر القيادة السياسية الأمريكية وهمومها ويقلل من أهمية الآراء المعارضة لها وهو ما ظهر واضحًا في حرب الخليج الثانية عام 1991م.
فقد قبلت وسائل الإعلام الأهداف الرئيسة لمسئولي إدارة بوش بتجنب أي نوع من التحقيقات الجدلية والحساسة التي يمكن أن تؤدي إلي فقدان دعم الرأي العام الأمريكي للحرب وهو ما التزمت به وسائل الإعلام.
ووسائل الإعلام لها دور لا يستهان به في المسألة العربية - الإسرائيلية، وفي المنطقة العربية بالنسبة لصانع السياسة الخارجية الأمريكية، فالتغطية الإخبارية السلبية للمنطقة العربية من قبل وسائل الإعلام، والتي يسيطر علي أغلبها اليهود تؤثر في تصورات الجمهور والرأي العام وصناع السياسة ومواقفهم حول المجتمعات العربية والإسلامية، حيث تركز هذه الوسائل الإعلامية علي الأصولية الإسلامية والإرهاب الإسلامي، وهو ما يعزر المفاهيم الأمريكية الخاطئة للإسلام، ويعقد مهمة صناع السياسة الخارجية تجاه الدول العربية الأمريكية الخاطئة للإسلام، ويعقد مهمة صناع السياسة الخارجية تجاه الدول العربية.
خامسًا - الرأي العام الأمريكي والسياسة الخارجية
دور الرأي العام الأمريكي عادة ما يكون محدودًا جدًا في تأثيره في عملية السياسة الخارجية، وهذا يرجع لعوامل عديدة أهمها:
1 - نقص اهتمام الجمهور أو الرأي العام الأمريكي ومعرفته في مجال الشؤون الخارجية وهو ما أكده أكثر من استطلاع عام أجري أعوام ،1974 ،1978 ،1982 ،1986 1990 بشأن قضايا السياسة الخارجية، حيث أكدت هذه الاستطلاعات اهتمام الرأي العام الأمريكي بالأخبار والقضايا المحلية بنسبة تتراوح ما بين 55 و61 بالمئة، في حين بلغت اهتمامات الرأي العام بالقضايا العالمية والخارجية بنسبة حوالي 41%.
2 - سرعة تأثر الجمهور أو الرأي العام الأمريكي بالقيادة السياسية، فالرئيس هو الشخص الأكثر احترامًا في البلاد، وغالبًا ما ينصاع الرأي العام لرأي الرئيس في القضايا الخارجية، وأبرز مثال علي ذلك قضية حجز الرهائن الأمريكيين في إيران عام ،1979 حيث أيد 61% من الجمهور الأمريكي موقف الرئيس كارتر من هذه القضية.
الفصل الخامس
السياسة الأمريكية والصراع العربي - الإسرائيلي ونفط الخليج
أدرك الرؤساء الأمريكيون أهمية تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، وخاصة النفط فالحروب العربية - الإسرائيلية المتعددة تمثل تهديدات فورية للمصالح الأمريكية في المنطقة العربية.
وتلعب السلطة التنفيذية وبخاصة الرئيس الأمريكي دورًا كبيرًا ومحوريا في الوساطة لحل هذا الصراع، وتسعي الرئاسة الأمريكية للانفراد بهذا الدور وإبعاد اللاعبين الخارجيين سواء الاتحاد السوفيتي السابق أو أوروبا الغربية من جهود التسوية لهذا الصراع.
أولاً - دور كارتر في مفاوضات كامب ديفيد
يعد الرئيس كارتر من أوائل الرؤساء الأمريكيين الذين سعوا إلي إيجاد تسوية مقبولة وشاملة للصراع العربي - الإسرائيلي بما يضمن الحفاظ علي المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، وقد نجحت جهوده في عقد مصر وإسرائيل لاتفاقية كامب ديفيد عام 1978م.
وقد كانت إسرائيل هي الفائز الرئيس في كامب ديفيد، فقد كان هدف بيجن - رئيس الوزراء الإسرائيلي - تعزيز الأمن الإسرائيلي بإقامة علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة والتوصل لاتفاقية ثنائية مع مصر تحيد الجيش المصري وتعزل مصر عن الوطن العربي، وهو ما تحقق فعلاً، فقد أدي خروج مصر من منظومة البلدان العربية وتوقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل إلي تمزيق الوطن العربي، ودعم الهيمنة الإسرائيلية علي جيرانها العرب.
وقد أثبتت اتفاقات السلام بين مصر وإسرائيل الدور المحوري والمهم للرئاسة الأمريكية في حل جانب واحد من جوانب الصراع العربي - الإسرائيلي، صحيح أن كارتر تخلي عن مبدأ التسوية الشاملة، إلا أنه ضغط كثيرًا علي السادات وبيجن للتوصل لاتفاقية سلام ثنائية، كما قدم مغريات مادية كثيرة لكل منهما تتمثل في مساعدات مادية لكل من مصر وإسرائيل.
ثانيا - مبادرات ريجان للحرب والسلام
بعد تولي الرئيس ريجان للرئاسة في أمريكا كانت له آراء منحازة جدًا لإسرائيل، حيث نظر إليها باعتبارها الحصن الآمن لمواجهة الشيوعية والنفوذ السوفيتي في المنطقة العربية حيث نظر ريجان للصراع العربي - الإسرائيلي من خلال منظور الحرب الباردة، ولم يقدر جذوره المحلية، وقد أدي انحياز ريجان لإسرائيل لتشدد وتصلب موقف حكومة الليكود ورفضها لخطة الملك فهد للسلام، والتي طرحها عام ،1981 والتي تدعو الإسرائيليين والفلسطينيين للاعتراف المتبادل والتعايش السلمي علي أساس مبدأ الأرض مقابل السلام، بل أقدمت حكومة الليكود علي غزو لبنان عام ،1982 ولم تمارس الرئاسة الأمريكية بزعامة ريجان أي ضغط علي إسرائيل لحملها علي الانسحاب من لبنان، بل شاركت بقوات عسكرية أمريكية في لبنان لحفظ ماء وجه بيجن ولتوفير حماية متأخرة للفلسطينيين بعد مذابح صبرا وشاتيلا.
وقد أثار التواطؤ الأمريكي - الإسرائيلي في لبنان مشاعر قوية معادية لأمريكا في الوطن العربي حيث بدأ يظهر حزب الله كتنظيم لبناني إسلامي وقيامه بحملة عنف ضد الأهداف الأمريكية في المنطقة العربية، كما تعرض عشرات الجنود الأمريكيين والمواطنين الأمريكيين أيضًا للموت انتقامًا من موقف الولايات المتحدة المؤيد لإسرائيل في لبنان.
ويري المؤلف أن عملية السلام الآن »في ظل حكومة الليكود بزعامة نتنياهو« هي مشابهة تمامًا لما كانت عليه في عهد ريجان، فإذا كان ريجان قد ضيع فرصة ثمينة لدفع عملية السلام نحو الأمام بسبب عقدته من التهديد السوفيتي وإحجامه عن الضغط علي إسرائيل، مما أطال في عمر المأزق العربي - الإسرائيلي، فإن الرئيس الأمريكي الحالي بيل كلينتون ما زال يتهرب هو الآخر من الضغط علي نتنياهو للالتزام باتفاقية أوسلو في ظل تهرب نتنياهو من مقررات وبنود اتفاقية أوسلو التي عقدها رابين مع عرفات عام 1993.
ثالثًا - السياسة الخارجية الأمريكية ونفط الخليج والصراع العربي - الإسرائيلي
علي الرغم من أن الولايات المتحدة ملتزمة أخلاقيا وأيديولوجيا بحماية إسرائيل فإن هدفها الأساس يدور حول ضمان الحصول علي نفط عربي رخيص من منطقة الخليج عمومًا والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة باعتبار أن الاقتصاد العالمي يحركه النفط، وأن الخليج هو أكبر مستودع للنفط في العالم، وقد نجحت الدول العربية المنتجة للنفط بالتنسيق مع مصر وسوريا عام 1973 في استخدام النفط كسلاح استراتيجي لإجبار الولايات المتحدة علي تعديل موقفها من الصراع العربي - الإسرائيلي عندما فرضت حظرًا تامًا علي شحنات النفط إلي الولايات المتحدة، وهو ما أدي إلي زيادة أسعار النفط بمقدار 400%.
وقد بينت المقاطعة النفطية العربية عام 1973 وسقوط نظام الشاه في إيران عام 997_ والغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 الارتباط الوثيق بين النفط والسياسة والأمن العالمي في منطقة الخليج، حيث أصدر الرئيس الأمريكي كارتر عام 1980 مبدأ كارتر الذي اعتبر أن أية محاولة من قوة خارجية للسيطرة علي الخليج بمثابة هجوم مباشر علي الولايات المتحدة نفسها كما شكل كارتر قوة الانتشار السريع لكي تستخدم كحلف دفاعي إقليمي لتدعيم الأمن في منطقة الخليج.
وبعد حرب الخليج الثانية وتزايد حالات العداء الشعبي العربي ضد الولايات المتحدة في المنطقة العربية عامة وفي منطقة الخليج علي وجه الخصوص، وقيام صدام حسين أثناء غزوه للكويت بالربط بين حل الأزمة وحل القضية الفلسطينية أدركت الولايات المتحدة ضرورة إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية فضغطت إدارة الرئيس بوش كثيرًا علي حكومة الليكود بزعامة شامير لعقد مؤتمر مدريد للسلام عام ،1991 وجعلت الولايات المتحدة حل هذا الصراع واحدًا من أولويات سياستها الخارجية للمحافظة علي مصالحها النفطية في منطقة الخليج.
رابعًا - السلام الأمريكي.. فصل القضية الفلسطينية عن اعتبارات النفط
مع انتهاء الحرب الباردة وانقسام وتفكك الاتحاد السوفيتي والانتصار العسكري الأمريكي علي العراق في حرب الخليج الثانية، وتدمير العراق عسكريا واقتصاديا - أصبحت الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة علي العالم، وفي المنطقة العربية ومنطقة الخليج، وأصبح حصول واشنطن علي نفط الخليج آمنًا نسبيا من التهديدات الخارجية، وكل هذا جعل النخبة الحاكمة في مجال السياسة الخارجية الأمريكية لم تعد تشعر بضرورة استثمار الكثير من رأس المال السياسي والاقتصادي لحل الصراع الإسرائيلي، وهو ما يعني نجاح الولايات المتحدة في فصل القضية الفلسطينية عن اعتبارات النفط بفضل انتصارها في حرب الخليج، وهذا ما يفسر الموقف الأمريكي المتراخي من عملية السلام العربية - الإسرائيلية في ظل حكومة الليكود بزعامة نتنياهو، وعدم لجوء الحكومة الأمريكية للضغط علي نتنياهو لتغيير مواقفه المتشددة حيال الفلسطينيين والسوريين.
الخاتمة
وفي الخاتمة يؤكد المؤلف أن السياسة الأمريكية في المنطقة العربية أصبحت مزايدة بين الرئيس والكونجرس علي دعم إسرائيل، وهذا يرجع لتقيد سلطة الرئيس ووجود تحالف قوي غير رسمي بين الكونجرس واللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل وسيطرة هذا اللوبي علي وسائل الإعلام.
ويري المؤلف أن إخفاق العرب في الحصول علي موقع منصف ومحترم في الولايات المتحدة يرجع لانقسام البلدان العربية وتمزقها والتشاجر فيما بينهم، لذا فليس من المستغرب ألا يأخذ صناع القرار في الولايات المتحدة الوطن العربي علي محمل الجد وإهمال احتياجاته وقضاياه، وإغفال خطابات الحكام العرب باعتبار أنها موجهة للاستهلاك المحلي، كما أن الزعامات العربية لا تحظي بالاحترام في الولايات المتحدة، ويهتم المسئولون في أمريكا بالمصالح الإسرائيلية والتركية أكثر من اهتمامهم بالمصالح العربية.
ويؤكد المؤلف أنه إذا رغبت الدول العربية في تحسين هذا الوضع وإحداث تغييرات هيكلية في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية، فإن علي هذه الدول إحداث تطورات وتغييرات داخلية من خلال إضفاء طابع ديموقراطي في ممارستها السياسية داخليا وتعميق التعاون العربي المشترك.
الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *