جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

أبحاث

الشيوعيّون ومسألة التحالفات تجربة الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ نموذجا (1934-1936)

بقلم: خميس العرفاوي
المقدمة:

انتهج الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ سياسة قائمة على أساس وحدة العمل (1) مع بقيّة الأطراف اليساريّة والديمقراطيّة في أواسط
الثلاثينات من القرن الماضي أفضت إلى حصول الجبهة الشعبيّة، التّي بادر بالدعوة إلى تأسيسها، على السلطة. وكانت أوّل تجربة ناجحة في سدّ الطريق أمام الخطر الفاشيّ الزاحف على أوروبا والذي كان يهدّد فرنسا. ومثلما سنبيّنه في الفقرات الموالية فإنّها تجربة لم تكن مقطوعة عن الفكر الماركسيّ وعن تاريخ الحركة العُمّاليّة والثوريّة.


وإنّنا لا نذيع سرّا عندما نشير إلى أنّ الساحة السياسيّة التونسيّة تعيش حاليّا جدلا جديرا بالاعتبار حول قضيّة التحالفات. ومن نافل القول أنّ هذا الجدل ليس إلاّ تواصلا لما طرحته قوى اليسار في عهدي النظام الدستوريّ من تكوين جبهة استراتيجيّة وأخرى ظرفيّة. ونذكر على سبيل المثال دعوة حزب العمّال الشيوعيّ التونسيّ إلى تكوين “جبهة وطنيّة ديمقراطيّة” بمناسبة الذّكرى الخامسة والأربعين ل“استقلال” تونس (2). وساهم الحزب نفسه سنة 2005 في توحيد قوى المعارضة من أجل إسقاط نظام بن علي الدكتاتوريّ (3). وعندما تحرّرت تونس من دكتاتوريّة بن علي بفضل ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011 تهيّأت الظروف ليس فقط لخلق توافق وطنيّ من أجل استكمال مهامّ الثورة بل أيضا لتكوين جبهة يساريّة ثوريّة تتصدّى للمهامّ الاستراتيجيّة في التحرّر الوطنيّ والديمقراطيّ (4). وبعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 والانحراف بمسار الثورة من طرف أحزاب الترويكا طُرِحت قضيّة تكوين جبهة ديمقراطيّة لإنقاذ البلاد من خطر الاستبداد الذي يهدّدها ومن تدهور الأوضاع على كافّة المستويات.
ونظرا لما يبدو من تشابه بين الواقع الذي أفرز الجبهة الشعبيّة في فرنسا والواقع الذّي تمرّ به تونس منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011 فإنّنا ارتأينا المساهمة، من موقع الباحث، في معالجة القضيّة المطروحة والاستفادة من التجارب التاريخيّة لتلمس الحلول المناسبة لما يطرح في الوقت الحاضر. ولهذا السبب عدنا إلى تجربة الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ في قضية التحالفات. وسنعالج في هذه المحاولة مسألة على غاية من الحساسيّة ومثيرة للجدل وهي: هل تحقّقت الجدوى المنتظرة من التحالف بين الشيوعيّين الفرنسيّين وممثّلي البورجوازيّة الديمقراطيّة لمقاومة الفاشيّة في أواسط الثلاثينات من القرن الماضي؟
سنعتمد في الإجابة عن هذه الإشكالية على مقرّرات المؤتمر السابع للأمميّة الشيوعيّة الثالثة (5) وعلى بعض الكتابات التّي ألّفتها شخصيّات فاعلة في النشاط الشيوعيّ في الثلاثينات مثل “جورج ديمتروف” القياديّ في الأمميّة الشيوعيّة الثالثة (6) و“جورج كونيو” النائب عن الجبهة الشعبية والعضو في الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ وممثّله في الأمميّة من أواخر 1936 إلى أكتوبر 1937 (7). وسنتطرّق إلى مسألتين أساسيّتين:
1- الشيوعيّون يستوعبون الدرس الألمانيّ
2- تحالف اليسار مع ممثّلي الشرائح الوسطى يفتح الطريق إلى السلطة
أوّلا- الشيوعيون يستوعبون الدرس الألمانيّ:
قبل التعرّض إلى الدرس الألمانيّ يجدر بنا أن نتساءل: هل كان الشيوعيّون غير مسلّحين نظريّا لمواجهة تحدّيات مثل تلك التّي واجهتهم في ألمانيا في بداية الثلاثينات؟

مسألة التحالفات لدى الماركسيّين والثوريّين:
إنّ عقد الاتفاقات والتحالفات ليس بدعة في الفكر الماركسيّ الذي تمثّل فيه قضيّة الجبهة عنصرا أساسيّا من مسائل الاستراتيجية والتكتيك. فماركس وأنجلز خصّصا في “بيان الحزب الشيوعيّ” فقرات عديدة لمسألة التحالف بين الشيوعيّين وبقيّة أحزاب المعارضة مثل أحزاب البورجوازية في ألمانيا وقالا :“...يعمل الشيوعيّون على الاتّحاد والتفاهم بين الأحزاب الديمقراطية في جميع الأقطار” (8). كما دافع ماركس في معرض حديثه عن ثورة 1848 في فرنسا عن تحالف العمّال والمزارعين والبورجوازيّة الصغرى تحت قيادة البروليتاريا وأكّد أنّ العمّال ليس بمقدورهم تحقيق أيّة خطوة إلى الأمام دون هذا التحالف (9). وعمّق لينين مسألة التكتيك الثوريّ بحيث أصبحت قضايا التكتيك والاستراتيجية جزءا من علم قيادة نضال البروليتاريا الثوريّ، كما يقول ستالين (10). فقد كان لينين يعتبر التحالفات الظرفية التّي تُعقَد حتّى مع العناصر غير الثابتة ضروريّة لوجود أيّ حزب (11).
وتجدر الإشارة إلى أنّ الشيوعيّين لم يدعوا إلى تكوين جبهات على مستوى وطني فحسب بل إنّهم نادوا إلى عقد الجبهة الثورية العالمية. وهي جبهة تضمّ الطبقة العاملة في البلدان المتقدّمة والحركات الوطنيّة الثوريّة التّي تقودها البورجوازيّة الديمقراطيّة (12).
لقد أدّى عقد التحالفات إلى تحقيق نجاحات تاريخيّة. فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر النتائج الباهرة التّي حقّقتها الأمميّة الشيوعيّة الثالثة (13) عندما تبنّت مبدأ الجبهة الموحّدة ضدّ الفاشيّة الذي سنعود إليه في الفقرات الموالية. وانتصرت الحركة الشيوعيّة العالميّة والاتّحاد السوفياتيّ في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عندما تعاهدا مع الحلفاء (أساسا بريطانيا وفرنسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة) في إطار جبهة عالميّة مناهضة لدول المحور (أساسا ألمانيا واليابان وإيطاليا).
وليس من المبالغة في شيء القول إنّ الأحزاب الثورية والوطنيّة في البلدان المولّى عليها لم تكن لتحقّق النجاحات التّي نعرفها لو لم تشكّل جبهات وطنيّة. وهذا ما حصل مثلا في الصين حيث دعا ماو تسي تونغ إلى تأسيس جبهة وطنيّة تضمّ إلى جانب الطبقة العاملة وطبقة الفلاحين، البورجوازيّة الوطنيّة. وتهدف إلى تحقيق التحرّر الوطنيّ (14). وفي تونس سعى مؤسّسو الجامعة الشيوعيّة، وهي أوّل تنظيم شيوعيّ بُعث سنة 1921، إلى مدّ الجسور بين الشيوعيّة والوطنيّة التونسيّة (15) وإلى تأسيس جبهة مع الحزب الحرّ الدستوري من أجل تحقيق الاستقلال الوطنيّ (16). كما أنّهم كانوا يشدّدون على تجنّب الانقسامات في صفوف المعارضين للاستعمار ويحثّون رفاقهم على الامتناع عن تعميق الخلاف بين جماعة عبد العزيز الثعالبي وجماعة حسن القلاّتي (17). فكان لهذه المواقف حينئذ صدى طيّب وتأثير إيجابيّ في الحركة الوطنيّة. في ضوء هذه المحطّات المضيئة وتلك التعاليم الصائبة نتساءل: ما الذي جعل اليسار الألماني يُخفق في جمع شمله؟
دروس التجربة الألمانيّة: تشتّت القوى الديمقراطيّة
تتلخّص هذه التجربة في تولّي هتلر زعيم الحزب النازيّ رئاسة الحكومة في جانفي 1933 وانقلابه على الديمقراطيّة وتركيزه نظاما فاشيّا. ولا ريب أنّ مفردة الفاشيّة تحتاج إلى الشرح. فهي تعني تيّارا يتبنّى إيديولوجيّة قوميّة رجعيّة وعنصريّة ويؤمن بالدولة القويّة والزعيم الكاريزماتي (18). وهي تستعمل عادة للتعبير عن الأنظمة الكُلّيانيّة في البلدان الرأسماليّة التّي تسيطر فيها شريحة البورجوازيّة الماليّة. ومثلما ذكر ديميتروف عضو القيادة التنفيذيّة للأمميّة الشيوعيّة الثالثة فإنّ الفاشيّة هي “ألدّ أعداء الطبقة العاملة والشغّالين وهي عدوّ تسعة أعشار الشعب الألمانيّ وتسعة أعشار الشعب النمساويّ وتسعة أعشار بقية شعوب البلدان الفاشيّة” (19). وفي الجهة المقابلة واجهت الطبقة العاملة الألمانيّة صعود الحزب النازيّ إلى السلطة وهي منقسمة بين حزبين رئيسيّين: الحزب الشيوعيّ والحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ. فما هي مواقف الطرفين المكرّسة للانقسام؟
كان الحزب الشيوعيّ الألمانيّ الحزب الوحيد في ألمانيا الذي قاوم فعليّا النازيّة. غير أنّه ارتكب أخطاء كانت لها نتائج جدّ وخيمة. فحسب ديميتروف لم يحسن الشيوعيّون الألمان تقدير الآثار العميقة التّي خلفتها معاهدة فرساي (1919) وما تسبّبت فيه من أذى لمشاعر الألمان القوميّة. وتميّز سلوكهم بالازدراء حيال تردّد المزارعين والبورجوازيّة الصغيرة، فبقوا منعزلين عنهم. كما أنّهم تأخّروا كثيرا في صياغة برنامج تحرّر اجتماعيّ ووطنيّ. وعندما قاموا بصياغته لم يحسنوا تكييفه مع الحاجيات الملموسة ومع مستوى وعي الجماهير. وأكثر من ذلك لم يتوفّقوا في نشره على نطاق واسع (20). ومن ناحية أخرى كان الكثير من الشيوعيّين يعتقدون أنّ العمق الذي بلغته الأزمة الاقتصاديّة يجعلها آخر أزمة وأنّها ستطيح بالرأسماليّة وستفضي بالضرورة إلى الثورة الاشتراكيّة (21). ولم يهتمّ الحزب الشيوعيّ بشكل جدّي بتوحيد الطبقة العاملة رغم أنّه دعا الحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ العديد من المرّات إلى وحدة العمل. ويعود هذا القصور إلى أنّه كان يرى أنّ الاشتراكيّة الديمقراطيّة هي السند الأساسيّ للبورجوازيّة وأنّها تدعم قيام النظام الفاشيّ. وهذا يبرّر، في نظره، توجيه الضربة الأساسيّة ضدّها (22). وقد تمسّك الحزب الشيوعيّ الألمانيّ إلى النهاية بهذه المقولات واضعا إقامة النظام السوفياتي في ألمانيا هدفا استراتيجيّا مباشرا ومعتبرا أنّ القوى النازيّة تنمو بسرعة أقلّ من الحركة العمّاليّة الثوريّة. غير أنّ مسؤوليّته في صعود هتلر إلى الحكم لا يمكن أن تُضاهي مسؤوليّة الاشتراكيّة الديمقراطيّة.
ولكن قبل التطرّق إلى مسؤولية هذا الطرف يحقّ لنا أن نتساءل عن موقف الأمميّة الشيوعيّة الثالثة التي كان الحزب الشيوعيّ الألمانيّ عضوا فيها. لماذا لم تسع إلى تلافي الخطر وإلى توجيه الحزب إلى تكوين الجبهة الموحّدة؟ نجد إجابة عن هذا السؤال لدى “كونيو” الذي ذكر أنّ الأمميّة الشيوعيّة تخلّت سنة 1928 عن سياسة الجبهة الموحّدة التّي انتهجتها مع الاشتراكيّين خلال العشرينات لفائدة النضال ضدّ الأحزاب البورجوازيّة وضدّ الاشتراكيّة الديمقراطيّة (أطروحة “طبقة ضّد طبقة”) واقتصرت على الجبهة الموحّدة في الأسفل. ويعود هذا التحوّل إلى قراءة متفائلة تأخذ بعين الاعتبار الانتصارات التّي حقّقها النظام الاشتراكيّ في الاتّحاد السوفياتيّ وبداية نهوض الحركات العمّالية من جديد في البلدان الرأسماليّة خلال النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي وتنامي نضال الشعوب المولّى عليها. ونتج عن ذلك تعزّز الرأي الذي يقول إنّ الاستقرار الظرفيّ للرأسمالية قد ولّى بينما لا تنفكّ عوامل النهوض الثوريّ تنضج (23).
فإذا كانت المسؤولية مشتركة بين الأممية الشيوعية الثالثة وبين الحزب الشيوعي الألماني فما هي مسؤولية الحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ في صعود الحزب النازيّ إلى السلطة وتركيزه نظاما دكتاتوريّا؟
أوّل ما تجب الإشارة إليه هو أنّ هذا الحزب لم يكن على استعداد لإقامة جبهات عمّاليّة موحّدة. فقد انتصب حزبا حاكما بعد استسلام الامبراطور غليوم الثاني وسقوط النظام الامبراطوريّ بألمانيا في 9 نوفمبر 1918 ومارس قمعا وحشيّا ودمويّا ضدّ الحركات الاحتجاجيّة والعمّاليّة التي قامت في ألمانيا بعد الحرب العالميّة الأولى. ويتحمّل الحزب نفسه المسؤوليّة السياسيّة في قتل روزا ليكسمبورغ وكارل ليبنخت أبرز قادة الحزب الشيوعيّ الألمانيّ (24). وقد رفض الدعوات التّي توجّه بها إليه الحزب الشيوعيّ الألمانيّ للنضال المشترك ضدّ النازيّة لأنّه لا يريد الانخراط في النضال ضدّها ظنّا منه أنّ هذه السلبية ستجلب له رفق هتلر وستمكّنه من المحافظة على العلنيّة. وهذا ما جعل “فورفايرست” (Vorwaerts) اللسان المركزيّ للحزب يردّ على دعوة الحزب الشيوعيّ إلى وحدة العمل في جانفي 1933 بما يلي: “لقد وصل هتلر إلى الحكم بواسطة الشرعيّة ويجب انتظار ما سيفعله. إنّ أيّ ردّ فعل الآن هو بمثابة إطلاق النار في الهواء” (25). وفضلا عن ذلك ففي جلسة “الرايشتاغ” (26) المنعقدة في 23 مارس 1933 أدّى ممثّل الكتلة الاشتراكيّة الديمقراطيّة “والس” (Wels)، وهو عضو في المكتب التنفيذيّ للأمميّة الثانية، يمين الوفاء لسياسة هتلر ولسياسته الخارجية بالذات (27). كما أنّ الحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ تعامل بسلبيّة مع المحطّات الانتخابيّة وامتنع عن تدعيم المرشّحين المعارضين للنازيّة (28).
لقد كان لجميع هذه العوامل تأثير أساسيّ في مجرى الأحداث التّي أدّت إلى قيام النظام النازيّ. فكان نظاما دمويّا وعنصريّا ومثيرا للحرب تسبّب في تدمير ألمانيا وفي اندلاع الحرب العالميّة الثانية مع كلّ ما نتج عنها من دمار وقتل الخ. فكيف تعامل الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ مع الدرس الألمانيّ؟
النضال ضدّ السكتاريّة (29) داخل الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ:
كانت العديد من أمراض الطفولة تنخر الحزب الشيوعي الفرنسي مثل السكتاريّة والبيروقراطيّة والنزعة المغامرتيّة والدوغمائيّة وحوّلته إلى حزب موميائيّ (30). ولكنّه، خلافا للحزب الشيوعيّ الألمانيّ، شنّ حملة ضدّ هذه الاتجاهات في الوقت المناسب أي قبل فوات الأوان وحدوث المكروه. ففي سنة 1930 نشر “موريس توراز” الكاتب الجديد للحزب الشيوعيّ الفرنسيّ مقالا في نشريّة الأمميّة الثالثة أعاد فيه إلى الأذهان أهميّة التكتيك القائم على مبدإ الجبهة الموحّدة وأبدى معارضته لاستعمال عبارات تسيئ إلى التيار الاشتراكيّ مثل نعته بالاشتراكيّة الفاشيّة (31). كما أنّه عبّر عن تباينه مع نزعة الاستهانة بالخطر اليسراويّ من خلال التخلّي عن الجبهة الموحّدة وإسقاط المطالب الجزئيّة وتكريس السكتاريّة التّي من شأنها أن تقطع الحزب عن الجماهير. ودعا “توراز” الحزب إلى: “الظهور بمثابة الحزب الوحيد للنضال اليوميّ في المؤسّسة وفي جميع الساحات وليس كحزب ثورة الغد فحسب” (32).
وقد خاض الحزب الشيوعي الفرنسي بنجاح صراعا متماسكا ضدّ المجموعة اليسراويّة السكتاريّة التّي كان يقودها “باربي” و“سيلور” والتّي عارضت فكرة الجبهة الموحّدة وتخلّت عن النضال من أجل المطالب المباشرة معتبرة أنّ فرنسا أصبحت في حالة ثوريّة منذ 1930، سنة بعد اندلاع الأزمة الاقتصاديّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. فقد كان “باربي” و“سيلور” ينعتان العمّال الاشتراكيّين ب“الاشتراكيّين الفاشيّين” و“كلاب البورجوازيّة الدمويّين” (33). وكانا بمثل هذا الصنيع يعملان لفائدة القادة الإصلاحيّين أعداء الوحدة. ف“باربي” كان يقول: “لقد تحوّلت الاشتراكيّة الديمقراطيّة إلى أفضل قوّة إعداد للحرب الإمبرياليّة بل إلى أكثرها نشاطا وفعاليّة” (34). ودعت المجموعة إلى التخلّي عن النضال على جبهتين بقولها :“لا يمكن القول إنّه توجد جبهتان للنضال. هناك جبهة واحدة انتهازيّة... ويجب أن يناضل كامل الحزب بقوّة من أجل تحطيمها” (35).
وإذ تمكّن الحزب الشيوعي الفرنسي بقيادة “توراز” من التخلّص من تأثيرات المجموعة المذكورة فإنّه أولى عناية كبيرة بالدفاع عن المطالب المباشرة وبسياسة الجبهة الموحّدة. وصاغ “توراز” برنامجا مفصّلا أخذ فيه بعين الاعتبار المجالات النقابيّة والبلديّة والبرلمانيّة والجبائيّة والدفاع عن العاطلين عن العمل والمزارعين. ودعا في الوقت نفسه الحزب إلى تنظيم النضال المشترَك للعمّال الشيوعيّين والاشتراكيّين والإصلاحيّين والمسيحيّين وغير المتحزّبين. وفضلا عن نضال الحزب الشيوعيّ من أجل الجبهة الموحّدة فإنّه كان للمثقّفين التقدميّين دور بارز في تدعيم هذا التوجّه.
دور المثقّفين التقدميّين في إقامة الجبهة الشعبيّة:
لقد سبق أن بحث المؤرّخ الحبيب القزدغلي في هذا الدور (36). ولذلك سنقتصر في هذه المحاولة على تقديم بعض الأفكار الضروريّة المتعلّقة بدور الشيوعيّين في تكوين هياكل الجبهة الشعبيّة.
انعقد في البداية مؤتمر أمستردام ضدّ الحرب، وهو مؤتمر عالميّ، في أوت 1932 ببادرة من الكاتبين: الشيوعيّ هنري باربوس(Henri Barbusse) (1873-1935) وصديق الشيوعيّين رومان رولان(Romain Rolland) (1866-1944) وبمساندة من الحزب الشيوعيّ. وقد وجدت المبادرة التّي تهدف إلى الدفاع عن الاتّحاد السوفياتيّ المهدّد من قِبَل الإمبريالية صدى كبيرا لدى المثقّفين التقدميّين مثل اينشتاين وهنري مان وبرتران ريسال وغوركي الذين التحقوا بلجنة المبادرة. ولئن امتنعت الأحزاب والنقابات غير الشيوعيّة وخاصّة الحزب الاشتراكيّ عن المشاركة في الحركة من أجل المؤتمر المذكور بتعلّة أنّها قريبة من الحزب الشيوعيّ فإنّ عددا هامّا من الاشتراكيّين والنقابيّين شاركوا فيها. ثمّ توسّع مجال عملها ليشمل النضال ضدّ الفاشيّة. وأخذت تبعا لذلك اسم اللجنة العالميّة للنضال ضدّ الحرب والفاشيّة (37). وقد سعت اللجنة (المعروفة أيضا باسم لجنة أمستردام بليال) إلى توحيد اليسار والنقابات. وكانت وراء الدعوة إلى مظاهرات 14 جويلية 1935 التّي تعاهد فيها ممثّلو عشرات المنظّمات الفرنسيّة على الوحدة من أجل الدفاع عن الحريّات (38).
وفي مرحلة ثانية نشأت لجنة تأهُّب المثقّفين المناهضين للفاشيّة (Comité de vigilance des intellectuels antifascistes) وهي لجنة غير حزبيّة تأسّست يوم 5 مارس 1934 بمبادرة من ثلاثة جامعيّين هم “لانجفان” (Langevin) الشيوعيّ و“ريفي” (Rivet) الاشتراكيّ و“ألان” (Alain) الراديكاليّ. وقد تمكّنت هذه اللجنة من جمع عدد كبير من الأعضاء في وقت وجيز (35000 عضو في جويلية 1934) وساهمت بفعاليّة في توحيد القوى الديمقراطيّة وتأسيس الجبهة الشعبيّة (39). وبذلك لم يخلد المثقّفون التقدّميّون الفرنسيّون إلى الراحة ولم يستسلموا إلى مشاغل الحياة اليوميّة بل انخرطوا في النضال من أجل قضايا شعبهم من مواقع أماميّة. ولسائل أن يسأل: هل واكبت الأمميّة الشيوعيّة الثالثة هذه التحوّلات؟
الانعطاف في سياسة الأمميّة الشيوعيّة الثالثة:
انعقدت الجلسة العامّة للأمميّة الشيوعيّة خلال شهري نوفمبر وديسمبر 1933 في ظرف انتصرت فيه النازيّة في ألمانيا وأصبحت فيه مسألة مقاومة الفاشيّة مطروحة بكلّ إلحاح في جدول أعمال المنظّمات العمّالية. وقد أعطت قيادة الأمميّة أثناء الجلسة التعريف الشهير للفاشيّة الحاكمة على أساس أنّها “دكتاتوريّة إرهابيّة سافرة للعناصر الأكثر رجعيّة والأكثر تعصّبا والأكثر امبرياليّة من رأس المال الماليّ” (40). كما وضّحت أنّ الدكتاتوريّة الفاشيّة ليست مرحلة حتميّة في هيمنة البورجوازيّة وأنّ إمكانيّة تجنّبها مشروطة بنضال القوى المناهضة للفاشيّة. وانتهت الجلسة العامّة للأمميّة إلى تعيين الفاشيّة العدوّ رقم واحد. ورغم ذلك فإنّ قيادة المنظّمة حافظت على شعار النضال من أجل إقامة السلطة السوفياتيّة كشعار مركزيّ في تكتيك الحركة الشيوعيّة في البلدان الرأسماليّة. وفي انتظار المؤتمر السابع للأمميّة توصّلت الأحزاب الشيوعيّة في أوروبا إلى الاقتناع بضرورة إعادة صياغة الأهداف المرحليّة في النضال بالبلدان الرأسماليّة (41).
هكذا منذ وصول النازيّة إلى الحكم في ألمانيا أدركت الأحزاب الشيوعيّة ومعها كافة الشرائح الديمقراطيّة في أوروبا الحاجة إلى سياسة جديدة تعمل على توحيد القوى المناهضة للفاشيّة وعلى قطع الطريق أمام الكارثة.
ثانيا- تحالف اليسار مع ممثّلي الشرائح الوسطى يفتح الطريق إلى السلطة:
مرّ مسار التحالف في فرنسا بمرحلتين تحتاجان إلى التفسير هما مرحلتا الجبهة الموحّدة والجبهة الشعبية. فالأولى تهمّ اجتماعيّا الطبقة العاملة وسياسيّا الحزب الشيوعيّ والحزب الاشتراكيّ. أمّا الثانية فتهمّ اجتماعيّا، علاوة على الطبقة العاملة بكامل أقسامها، الطبقات الوسطى على غرار شرائح المزارعين والبورجوازيّة الصغيرة الحضريّة التّي يمثّلها الحزب الراديكاليّ (42). وكان تكوين هذه الجبهات يقتضي تخلّي الأطراف الصديقة عن تردّدها.
تغيّر ذهنيّة العمّال الاشتراكيّين وبداية المعارك المشترَكة في الشوارع:
كانت سنتا 1932 – 1933 فترة انتقاليّة من الجبهة الموحّدة في مستوى القاعدة فحسب كما كانت تطبّق سابقا إلى الجبهة الموحّدة في مستوى الأحزاب والمنظمات مثلما سيتحقّق سنة 1934. وقد اقتضى هذا الانتقال التغيّر في ذهنية العمّال الاشتراكيّين. أما قيادة الحزب الاشتراكيّ فقد بقيت مصرّة على عدم الاستجابة لنداء وحدة العمل (43). ووُجد من بينها من أبدى إعجابه بالنازيّة واعتبر أنّها تنتقل بألمانيا نحو الاشتراكيّة من خلال الإجراءات التّي اتّخذها هتلر: تحديد الأجر الأدنى وبعث اللجان العمّالية في المعامل (44).
ولكن وُجِد تيّار قاعديّ في صلب العمّال الاشتراكيّين انخرط شيئا فشيئا في وحدة العمل ضدّ الفاشيّة. وقد انعكس ذلك على الهيئات القياديّة للأمميّة الاشتراكيّة (الأممية الثانيّة) التي اقتنع بعض قياديّيها بضرورة وحدة الممارسة ضدّ الفاشيّة. وبرز في الآن ذاته جناح يساريّ في الحزب الاشتراكيّ الفرنسيّ دافع عن ضرورة التقارب مع الحزب الشيوعيّ (45). وبذلك تهيّأت ظروف التحرّكات الجماهيريّة العارمة. فقد شهدت سنة 1934 تحرّكات ضخمة يومي 9 و12 فيفري ضدّ محاولة الانقلاب التّي قامت بها الروابط الفاشيّة يوم 6 فيفري 1934 (46). وشكّلت تلك التحرّكات، التّي لعب فيها الحزب الشيوعيّ دورا حاسما، نقلة في تطوّر نضال الطبقة العاملة ضدّ الفاشيّة. ففي كامل فرنسا انتصر على أرض الواقع الشعار الشيوعيّ :“الجبهة الموحّدة تعني العمل” وتجنّدت الجماهير في كلّ مكانّ. ومن ناحية أخرى التحم العمّال الاشتراكيّون بإخوانهم الشيوعيّين في نضال مشترك اضطُرّت قيادة الحزب الاشتراكيّ في النهاية إلى الالتحاق به. وهكذا بدأت الشرائح الاشتراكيّة الديمقراطيّة تنتقل من سياسة التعاون الطبقيّ إلى النضال الطبقيّ. فكانت وحدة الممارسة التي جمعت العمّال الأساس المتين لتقارب الأحزاب اليساريّة. وتُوّج هذا الزخم بإمضاء ميثاق وحدة العمل بين الاشتراكيّين والشيوعيّين في جويلية 1934.
الإغناء المتبادَل لفكر الأمميّة والفكر الشيوعيّ الفرنسيّ:
كانت تجربة الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ مقنعة وثمينة. فقد ساعدت الأمميّةَ الشيوعيّةَ على رسم توجّهها الجديد. إنّ أهمّ ما ألهم الحركة العمّاليّة في العالم هو الجبهة الموحّدة للطبقة العاملة الفرنسيّة والنداء الموجّه في فرنسا إلى الجماهير العريضة من المزارعين والبورجوازيّة الصغيرة والمثقّفين وإعلان “موريس توراز” أنّ الشيوعيين مقرّو العزم على النضال في المقام الأوّل ضدّ هزم الفاشيّة ومن أجل الدفاع عن الحرّيّات الديمقراطيّة وتوسيعها (47).
كان الشيوعيّون الفرنسيّون في طليعة الحركة العمّالية ولكنّهم لم يتصرّفوا بمعزل عن بقيّة الحركة الشيوعيّة. ويتجلّى ذلك خاصّة في الدور الهامّ الذي لعبه ممثّل الأمميّة بفرنسا “أوجين فرياد” (Eugène Fried) في بلورة سياسة الجبهة الشعبيّة وفي القرارات التاريخيّة في شأن وحدة العمل مهما كان الثمن التّي انتهت إليها الندوة الوطنيّة للحزب الشيوعيّ الفرنسيّ بإيفري (23-26 جوان 1934) (48). فقد كانت متوافقة مع الخطّ الذي حدّدته الكتابة السياسيّة المنبثقة عن اللجنة التنفيذيّة للأمميّة الشيوعيّة. لقد أطلقت تلك الندوة حركة لا تقاوَم في اتّجاه وحدة العمل.
وهكذا كان تكتيك وحدة العمل ثمرة كفاح طويل قام به الشيوعيّون. ويكفي أن نشير إلى أنّ الحزب الشيوعيّ وجّه إلى الحزب الاشتراكيّ ستّا وعشرين دعوة من أجل وحدة العمل (49) قبل أن يتمّ الإمضاء على ميثاق العمل الموحّد في 27 جويلية 1934 وقبل أن يقتنع “ليون بلوم” زعيم الحزب الاشتراكيّ باستحالة مواصلة التهرّب من تكوين الجبهة الموحّدة.
مؤتمر الأمميّة الشيوعيّة السابع:
انعقد هذا المؤتمر في 25 جويلية 1935. وشُرع في الإعداد له قبل هذا التاريخ بسنة كاملة. وخلال هذا العمل طوّر مانويلسكي (Manouilski) وديميتروف (Dimitrov) تكتيك الجبهة الموحّدة وألحّا على ضرورة إجراء الأحزاب الشيوعيّة محادثات مع أحزاب البورجوازيّة الصغيرة وأحزاب المزارعين والمنظّمات التي يعمل الفاشيّون بكلّ حزم على جلبها إلى حضيرتهم. وقد أمكن بفضل عمل دؤوب ونقاشات متواصلة التغلّب على معارضة بيلاكون (Bella Kun) ولوزوفسكي (Lozovski) ومناضلين آخرين لهذا التوجّه. وفي 21 أوت حرّرت الكتابة السياسيّة للأمميّة الشيوعيّة رسالة عبّرت فيها عن موافقتها التامّة على توجّه الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ.
وجاء في التقرير الذي أعدّه ديميتروف والذي تبنّاه المؤتمر السابع للأمميّة تأكيد كون الفاشيّة ليست قضاء وقدرا وأنّ اتقاءها مرتبط بكفاحيّة الطبقة العاملة ووحدة القوى المناهضة للفاشيّة ووجود حزب ثوريّ قويّ يحسن قيادة نضال العمّال ضدّ الفاشيّة وينتهج سياسة صحيحة تجاه جماهير المزارعين والبورجوازيّة الصغيرة وكذلك بيقظة القوى الثوريّة حيال خطر الفاشيّة. وتضمّن التقرير تأكيد ضرورة تشكيل الجبهة الموحّدة باعتبارها الأداة المثلى للمقاومة والضامنة للانتصار (50). و علاوة على ذلك، دعا ديميتروف الطبقة العاملة بفرنسا إلى القيام بجملة من المهامّ تتلخّص في إنجاز الجبهة الموحّدة في المجالين السياسيّ والاقتصاديّ وتوحيد الحركة النقابيّة وبعث منظّمات جماهيريّة غير متحزّبة تابعة للجبهة الشعبيّة والضغط من أجل حلّ المنظّمات الفاشيّة المتآمرة على الجمهوريّة وتطهير أجهزة الدولة أي الجيش والأمن من المتآمرين الذين يهيئون لانقلاب فاشيّ إلخ (51).
وقد أشار ديميتروف إلى دور الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ بقوله: “تمثّل فرنسا البلد الذي تضرب فيه الطبقة العاملة المثل للبروليتاريا العالميّة بأسرها في أسلوب مقاومة الفاشيّة. ويعطي الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ كافّةَ فروع الأمميّة الشيوعيّة المثلَ في أسلوب تطبيق الجبهة الموحّدة. كما يعطي العمّال الاشتراكيّون المثلَ في ما يجب على العمّال الاشتراكيّين الديمقراطيّين في البلدان الأخرى القيامُ به في النضال ضدّ الفاشيّة” (52). بيّن إذا أنّ التقرير الذي قدّمه ديميتروف في المؤتمر السابع كان بمثابة المُسوِّغ المشرِق لسياسة الجبهة الموحّدة والجبهة الشعبيّة.
ما هي أهمّ القرارات التّي اتّخذها المؤتمر السابع للأمميّة الشيوعيّة الثالثة على ضوء التجربة الفرنسية والأعمال التمهيديّة التّي ذكرناها؟
نشير في البداية إلى أنّ المؤتمر المذكور وافق على المقترحات التّي وجّهتها اللجنة التنفيذيّة للأمميّة الشيوعيّة منذ سنة 1932 إلى مختلف الفروع الوطنيّة وإلى الأمميّة الثانية من أجل تطبيق مبدأ وحدة العمل ضدّ الأخطار الثلاثة: الفاشيّة وهجوم رأس المال والحرب(53). ورغم رفض الأمميّة الثانيّة وأغلب فروعها لتك المقترحات فإنّ المؤتمر طلب من كافة هياكل الأمميّة الشيوعيّة مواصلة العمل من أجل تجسيد الجبهة الموحّدة على مستوى وطني وكذلك على مستوى عالمي. ومن ناحية أخرى وقف المؤتمر على النواقص التّي شابت عمل عدد من فروع الأممية الشيوعية. نذكر منها: التطبيق المتأخّر لتكتيك الجبهة الموحّدة والعجز عن تعبئة الجماهير من أجل الدفاع عن مطالبها الجزئيّة سواء كانت سياسيّة أو اقتصاديّة وعدم استيعاب ضرورة النضال من أجل الدفاع عن ما تبقّى من الديمقراطية البورجوازية وكذلك عدم إدراك ضرورة تكوين جبهة شعبيّة مناهضة للإمبرياليّة في المستعمرات وأشباه المستعمرات (54).
وصادق المؤتمر، مثلما ذكرنا سابقا، على الاستنتاجات والتوصيات الواردة في تقرير ديميتروف (55). وجاء في المقرّر أنّ تنامي الفاشية وانتصارها يؤكّدان ليس فقط حالة الانقسام التي كانت عليها الطبقة العاملة بحكم السياسة الانفصالية للاشتراكية الديمقراطية وإنّما أيضا ضعف البورجوازية التّي لم تعد تقدر على المحافظة على دكتاتوريتها بواسطة الطرق القديمة أي الديمقراطية البورجوازية. ونبّه مؤتمر الأمميّة الشيوعية من مغبّة الاستهانة بالخطر الفاشي رافضا في الآن ذاته الأفكار الاستسلامية والاعتقاد في حتميّة انتصار الفاشية. وأكّد أنّ الطبقة العاملة بإمكانها الحيلولة دون ذلك إذا توصّلت إلى توحيد نضالاتها وإذا حالت دون تعزّز الفاشية وكذلك إذا ضمّت حولها وفي ظلّ قيادة ثوريّة حقّا أوسع شرائح شغالي المدن والأرياف. وأشاد المؤتمر المذكور بالتجربة الفرنسيّة التّي ناضل فيها العمال الشيوعيون والعمال الاشتراكيون جنبا إلى جنب وتمكّنوا من صدّ أولى هجومات الفاشيّة، فأعطوا المثل في وحدة العمل. ولم يتردّد المؤتمر السابع للأمميّة الشيوعيّة في التصريح بأنّ تكوين الجبهة الموحّدة للطبقة العاملة يمثّل آنذاك المهمّة الرئيسيّة المباشرة للحركة العماليّة العالميّة. كما أنّه دعا الأحزاب الشيوعيّة إلى السعي من أجل الاتّفاق مع المنظّمات العمّالية التابعة إلى مختلف الاتجاهات السياسية على أعمال مشتركة في المصنع وعلى مستوى محلّي وجهوي ووطني وعالمي. وأوصى المؤتمر المذكور الأحزاب الشيوعية بجعل الدفاع عن المصالح الاقتصاديّة والسياسيّة المضمون الرئيسي للجبهة الموحّدة في البلدان الرأسمالية وبالعمل على بعث منظّمات للجبهة الموحّدة غير تابعة للأحزاب بواسطة الانتخاب في المؤسّسات وفي صفوف العاطلين عن العمل وفقراء المدن وفي الأحياء الفقيرة والأرياف. وعلاوة على ذلك أوصى نفس المؤتمر باستعمال الحملات الانتخابيّة لتعزيز الجبهة الموحّدة ولتوجيه كافة الجهود للحيلولة دون انتخاب العناصر الرجعيّة والفاشيّة. وفي هذا السياق أقرّ بأنّه يمكن للشيوعيين القيام بحملة انتخابيّة على أساس أرضيّة مشتركة وقوائم موحّدة للجبهة المناهضة للفاشيّة شريطة الاحتفاظ بحريّة الدعاية السياسيّة وحريّة النقد (56).
ودعا المؤتمر السابع للأمميّة الشيوعية الشيوعيين إلى العمل على توحيد نضالات المزارعين والبورجوازية الصغيرة بالمدن والجماهير الكادحة المنتمية إلى القوميّات المضطهَدة وإلى تكوين أوسع جبهة شعبية مناهضة للفاشية. وأكّد في نفس السياق على ضرورة توحيد الحركة النقابية باعتباره المحطّة الأكثر أهميّة في تعزيز الجبهة الموحّدة. وعيّن نفس المؤتمر مهام الشيوعيين في مختلف فروع النشاط المناهض للفاشيّة. ونذكر أنّ إحدى هذه المهام تكمن في ضرورة خوض نضال ايديولوجي ممنهج ضدّ الفاشية التّي تنتهج سياسة استغلال واضطهاد على حساب شعبها وسياسة نهب واستعباد على حساب الشعوب الأخرى، بتعلّة الدفاع عن المصالح الوطنيّة. ولذلك يطلب المؤتمر السابع للأمميّة الشيوعيّة من الشيوعيّين أن يبيّنوا أنّ الطبقة العاملة هي المدافع الحقيقي عن الحريّة القوميّة واستقلال الشعب انطلاقا من نضالها ضدّ الاستعباد وضدّ كلّ اضطهاد قومي ووطني. وفي نفس السياق دعا المؤتمر الشيوعيين إلى مجابهة الفاشيين في ما يعمدون إليه من تزوير للتاريخ ونبّه إلى خطورة السلوك المتمثّل في ازدراء مسألة الاستقلال الوطني والمشاعر القوميّة لدى الجماهير الشعبيّة. وذكّر بأنّ الشيوعيين معنيّون بمصائر بلدانهم ولا يمكن أن يكونوا من أنصار العدميّة القوميّة كما انّهم ليسوا من المدافعين عن القوميّة البورجوازيّة الضيّقة (57).
ومن نافل القول أنّ مقرّرات المؤتمر السابع للأمميّة الشيوعيّة مهدّت للشيوعيّين الأرضيّة التّي ساعدتهم على التواصل مع ممثّلي الشرائح الوسطى وتكوين الجبهة الشعبيّة.
تكوين الجبهة الشعبيّة وفوزها في الانتخابات:
ساعدت بعض العوامل على تغيير موقف الحزب الراديكاليّ الذي كان متردّدا في موضوع التحالف مع الحزب الشيوعيّ. أوّل هذه العوامل له بعد دوليّ يتمثّل في إمضاء المعاهدة الفرنسيّة السوفياتيّة في ماي 1935 وهي معاهدة تعاون تعهّد بمقتضاها الطرفان على المساندة المتبادَلة في حالة اعتداء أجنبيّ. كما توفّرت شروط سياسيّة ملائمة للتقارب بين الحزب الراديكاليّ والحزب الشيوعيّ. فقد ركّز هذا الأخير دعايته على إحياء القيم القوميّة والاعتزاز بالعلَم ثلاثيّ الألوان والإشادة بالتاريخ الوطنيّ والثوريّ. كما أنّه صاغ الأهداف المباشرة، مثلما رأينا سابقا، بشكل يراعي مصالح الشرائح الاجتماعيّة الوسطى (58). ومن ناحية أخرى انقسم الحزب الراديكاليّ وبرز في صلبه جناح يساريّ يقوده “ادوار هريو”. وقد عبّر هذا الحزب عن انحيازه إلى التجمّع الشعبيّ الذي أخذ يتبلور، قبل انبعاثه في بداية 1936، في المظاهرة الحاشدة (500 ألف متظاهر) (59) التي جابت شوارع باريس وراء الشيوعيّ “توراز” والاشتراكيّ “ليون بلوم” والراديكاليّ “دالاديي” أثناء احتفالات 14 جويلية 1935.
وعندما تشكّلت اللجنة الوطنيّة للتجمّع الشعبيّ كانت النقابات إحدى مكوّناتها الأساسيّة. لم تكن هذه المشاركة أمرا طارئا إذ لعبت الكنفدراليّة العامّة للشغل (الس ج ت CGT) والكنفدراليّة العامّة للشغل الموحّد ( الس ج ت م CGTU) دورا أساسيّا في المبادرات الاحتجاجيّة المناهضة للروابط الفاشيّة والمدافعة عن الجمهوريّة منذ بداية 1934(60). وكانت تقودهما في ذلك مقولة إنّ “الدفاع عن الحرّيّات العمّاليّة والمكاسب الاجتماعيّة [...] يقتضي الدفاع عن الجمهوريّة”(61).
تأسّس التجمّع الشعبيّ على أساس برنامج مشترَك يتمحور حول شعار “خبز، سلم، حرّيّة” وعلى قاعدة شعبيّة عريضة تدعّمت بتوحيد الس ج ت والس ج ت م في مارس 1936 (62). وكانت نتيجة كلّ هذه المجهودات فوز الجبهة الشعبيّة في انتخابات أفريل-ماي 1936 (63). في ضوء هذه النتيجة دعا رئيس الجمهوريّة “لوبران” (Albert Lebrun) ليون بلوم زعيم المجموعة الأكثر عددا في البرلمان إلى تشكيل الحكومة التّي اشتملت على وزراء اشتراكيّين وراديكاليّين وحظيت بمساندة الشيوعيّين دون أن يشاركوا فيها.
الخاتمة:
لم يكن على الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ في بداية الثلاثينات من القرن الماضي أن يختار بين الفاشيّة وجمهوريّة السوفياتات بل بين الفاشيّة والديمقراطيّة. فكانت الجبهة الموحّدة والجبهة الشعبيّة، اللتان بادر بتأسيسهما بمعية المثقّفين التقدميّين والجناحين اليساريّين في الحزب الاشتراكيّ والحزب الراديكالي الردّ المناسب على التحدّي الذي أطلقته الفاشيّة ضدّ الجمهوريّة. ولقد أفرزت هذه التجربة نموّا في دور الطبقة العاملة التّي وجدت السبل والوسائل لتطوير مبادرتها السياسيّة وللتأثير الفعليّ في سير الأحداث. كما أنّها مكّنت الحزب الشيوعي الفرنسي من التحوّل إلى قوّة ماسكة بمصير الطبقة العاملة والأمّة بأسرها بوصفه عنصرا أساسيّا في الحياة السياسيّة بالبلاد. ومثّلت من ناحية أخرى منعرجا تاريخيّا على نطاق عالميّ وبداية مرحلة جديدة في تاريخ الحركة العمّاليّة.
وقد تحقّقت في ظلّ حكومة الجبهة الشعبيّة مكاسب اجتماعيّة هامّة. فقد أقرّت اتفاقيّات “ماتينيون” زيادات هامّة في الأجور والرواتب واعترفت بالحقّ النقابيّ في المؤسّسات وسنّت العقود المشتركة. وأصدرت الحكومة قانونا يمنح العمّال راحة خالصة بخمسة عشر يوما ويضبط أسبوع العمل بأربعين ساعة. كما أنّها أقرّت إصلاحات هيكليّة للنهوض بالاقتصاد الوطنيّ ودمقرطة المؤسّسات الماليّة الدوليّة (64).
ورغم أنّ حكومة الجبهة الشعبيّة لم تلب مطالب شعوب المستعمرات الفرنسية في الاستقلال إلاّ بالنسبة إلى الشعب السوري، فإنّها انتهجت تجاهها سياسة انفراج تمثّلت أساسا في وضع حدّ لسياسة القمع واحترام حريّة العمل السياسيّ والنقابيّ وحرّيّة الصحافة، ومتّعت عمّالها وموظَّفيها بالمكاسب الاجتماعيّة الجديدة.
وهكذا فإنّ الجبهة الشعبيّة أنقذت فرنسا من خطر الفاشيّة واستجابت، رغم قصر عمرها، للمطالب الملحّة للشرائح الشعبيّة ولشعوب المستعمرات وكانت في مستوى الوعود التّي قطعتها على نفسها.
نخلص إلى القول إنّ تجربة الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ ليست جديرة بالدراسة فحسب من قبل أنصار الديمقراطيّة بل إنّها مثال يحتذى في مواجهة القضايا المصيريّة المطروحة حاليّا في البلدان التي يهدّدها الاستبداد.
الهوامش:
1. المقصود بالعمل هو الفعل (l’action) وليس الشغل.
2. “الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا (في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي)”، وثيقة خاصة.
3. “بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها”، وثيقة خاصة.
4. الفكرية (مجلّة)، عدد 9، جوان 2013.
5. انظر الصفحات الداخليّة.
6. Dimitrov (G), “L’offensive du fascisme et les tâches de l’Internationale Communiste dans la lutte pour l’unité de la classe ouvrière contre le fascisme. Rapport au VII° Congrès Mondial de l’Internationale Communiste présenté le 2 août 1935”, Œuvres choisies, tome 2, Sofia-Presse, 1972.
7. Cogniot (G), “Parti communiste français et Internationale communiste”, dans: William (Cl) et autres, Le Front populaire La France de 1934 à 1939, Paris, Editions sociales, 1972.
8. ماركس، انجلس، مختارات، الجزء الأوّل، موسكو، دار التقدّم، 1968، ص 93-96.
9. Marx (K), Les luttes des classes en France (1848-1850), document produit en version numérique par Jean-Marie Tremblay, p.34.
10. ستالين (جوزيف)، أسس اللينينية، نسخة الكترونية، موقع الحوار المتمدن.
11. Lénine, Que faire? Les questions brûlantes de notre mouvement, Paris, Editions sociales, Moscou, Editions du Progrès, p. 26-27.
12. لينين، “المؤتمر الثاني للأمميّة الشيوعيّة 19 تموز- 2 آب 1920، تقرير اللجنة المختصّة بالمسألة القومية ومسألة المستعمرات في 26 تموز”، استيقاظ آسيا، موسكو، دار التقدّم، 1970، ص 59-64.
13. انظر، حول الأممية الشيوعية الثالثة:
Cogniot (G), L’Internationale communiste. Aperçu historique, Paris, Éditions Sociales, 1969.
14. ماو تسي تونغ، “حول تكتيك مناهضة الامبرياليّة اليابانيّة، المؤلفات المختارة، بكين، دار النشر للغات الأجنبية، 1968، ص 223-262.
15. Le Moujik, « Nationalisme et communisme », L’Avenir social, du 24 /8 /, 30 /11 et 28/12 /1924.
16. عرفاوي (خميس)، القضاء والسياسة في تونس زمن الاستعمار الفرنسي (1881-1956)، تونس، صامد للنشر والتوزيع، 2005، ص 202 و242.
17. القزدغلي (حبيب)، تطوّر الحركة الشيوعية بتونس1943-1919، منشورات كلية الآداب بمنوبة،1992 ، ص 84.
18. Girardet (R),”Fascisme“, Encyclopédia Universalis, 7, 1984.
19. Dimitrov (G), op. cit., p. 15.
20. Dimitrov (G), op. cit., p. 21.
21. Cogniot (G),”Parti communiste français“, idem, p. 110.
22. Cogniot (G),”Parti communiste français“, idem, p. 111.
23. Idem, p. 107-108.
24. Badia (G), Histoire de l’Allemagne contemporaine (1917-1962), tome premier, Paris, Editions sociales, 1975, p. 133.
25. - Cogniot (G),”Parti communiste français“, idem, p. 112. بتصرّف
26. يعني البرلمان الألماني.
27. Cogniot (G),”Parti communiste français“, idem, p. 112.
28. Badia (G), op. cit., p. 305.
29. السكتارية هي سلوك متصلّب لأصحاب رأي أو حزب كثيري الادعاء ولا يقبلون بالرأي المخالف. وتفيد أيضا الحلقية والتفكير الضيّق.
”Sectarisme“, Le Grand Larousse Universel, t. 13, 1994.
أنظر صراع ماركس ضدّ الحلقية في:
Marx,”Lettre de Marx à Friedrich Bolte, dans: Marx et Engels, Œuvres choisies 2, Moscou, Editions du Progrès, 1881, pp.442-444.
30. Willard (G), “Prologue au Front populaire”, dans: William (Cl) et autres, op. cit., p. 26.
31. تجدر الإشارة إلى أنّ الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ والحزب الاشتراكيّ الفرنسيّ ينحدران من حزب واحد هو الحزب الاشتراكيّ الفرنسيّ الذي انقسم في مؤتمر “تور” المنعقد سنة 1920 إلى الفرع الفرنسيّ للأمميّة العمّاليّة والفرع الفرنسيّ للأمميّة الشيوعيّة. القزدغلي (حبيب)، تطوّر الحركة الشيوعية، المرجع نفسه، ص 56.
32. Thorez (M), “La situation du Parti communiste français”, dans L’Internationale Communiste, n° 21, 20 juillet 1930, p. 1359, cité par: Cogniot (G), “Parti communiste français”, op. cit., p. 112.
33. Cogniot (G), “Parti communiste français”, idem, p. 113.
34. La Correspondance internationale, n° 64, 28 juillet 1929, citée par: Cogniot (G), idem, p. 113.
35. Cahiers du bolchévisme, n° 5, mai 1930, cité par: Cogniot (G), idem, p. 114.
36. Kazdaghli (H), “Le rôle des intellectuels dans la formation du Front populaire en France”, Contribution présentée lors du colloque Culture et engagement tenu à L’Institut Préparatoire aux Études Littéraires et des Sciences Humaines de Tunis les 12-13 avril 2013, non encore publiée.
37. Kazdaghli (H), idem.
38. Lefranc (G), “Front populaire”, Encyclopédia Universalis, 8, 1984.
39. Willard (G), idem., p. 33.
40. Dimitrov (G), op. cit., p. 6.
41. Cogniot (G), “Parti communiste français”, idem, p. 121.
أنظر حول هذا التعريف: Dimitrov (G), op. cit., p. 6
42. Dimitrov (G), op. cit., p. 38 et Cogniot (G), idem, p. 120-121.
43. Chambaz (J), “Alliances de classes et programme à l’époque du Front populaire”, dans: William (Cl) et autres, op. cit., p. 41.
44. Cogniot (G), “Parti communiste français”, idem, p. 118.
أنظر حول هذا التعريف: Dimitrov (G), op. cit., p. 6
45. Willard (G), idem, p. 27.
46. تحمل الروابط في فرنسا خصائص الفاشيّة والنازيّة نفسها. فهي حركات يمينيّة متطرّفة، تنتَدب أعضاءها من قدماء المحاربين ومن المهمّشين والمغامرين والوصوليّين. كما أنّها تعادي الديمقراطيّة وتؤمن بالعنف وبالدولة القويّة وتمجّد الزعيم الخ. نذكر منها: “التضامن الفرنسيّ” و“الفرانسيزم” و“الحزب الشعبيّ الفرنسيّ” و“الصليب الناريّ”.
Brunet (J-P) et Launey (M), D’une guerre mondiale à l’autre 1914-1945, Paris, Hachette Livre, 1993, p. 192, et Aleya Sghaier (A), La droite française en Tunisie entre 1934 et 1946, Tunis, Publications de l’Institut Supérieur de l’Histoire du Mouvement national, 2004, p. 54- 99.
47. Cogniot (G), “Parti communiste français”, idem, p. 123.
انظر حول هذا التعريف: Dimitrov (G), op. cit., p. 6
48. Cogniot (G), “Parti communiste français”, idem, p. 134.
49. Cogniot (G), “Parti communiste français”, idem, p. 125.
50. Dimitrov (G), op. cit., p. 21.
51. Dimitrov (G), op. cit., p. 44.
52. Idem, p. 42.
53. Résolution sur le rapport d’activité du C. E. de l’I. C.“(Adptée le 1er 20 août 1935 sur le rapport du camarade Peck), La correspondance internationale, n° 82 (numéro spécial), du 15 septembre 1935.
54. المصدر ذاته.
55.”L’offensive du fascisme et les tâches de l’Internationale communiste dans la lutte pour l’unité de la classe ouvrière contre le fascisme“(Résolution sur le rapport du camarade Dimitrov adoptée par le VII° congrès de l’Internationale communiste le 20 août 1935), La correspondance internationale, n° 77 (numéro spécial), du 3 septembre 1935.
56. المصدر ذاته.
57. هذا الموقف ليس جديدا بالنسبة للماركسيين. فعلى سبيل المثال يقول لينين سنة 1914:”...نحبّ لغتنا ووطننا، ولكن أكثر ما نسعى إليه الارتقاء بمستوى الجماهير الكادحة (يعني 9/10 السكان) إلى حياة الديمقراطيّين والاشتراكيّين الواعية...نحن مفعمون بالعزّة القوميّة..." Lénine, Œuvres complètes, t. XXI, p. 85.
58. Chambaz (J), idem, p. 39.
59. Idem, p. 53.
60. تجدر الإشارة إلى أنّ رابطة حقوق الإنسان وبقيّة منظّمات المجتمع المدنيّ ساهمت في تأسيس الجبهة الشعبيّة.
61. Monier (F), Le Front populaire, La Découverte « Repères », 2002, p. 21.
62. نتج عن الوحدة النقابيّة ارتفاع عدد المنخرطين في الس ج ت إلى أربعة ملايين منخرط أي خمس مرّات عدد منخرطي المنظّمتين سنة 1932. Willard (C), idem, p.26.
63. حصلت أحزاب الجبهة الشعبيّة في الدور الثاني على 376 صوت مقابل 222 لأحزاب اليمين.
Milza (P), De Versailles à Berlin 1919-1945, Paris, Armand Colin, 1997, p. 175
64. Brunet, op. cit., p. 197.
خميّس العرفاوي: أستاذ محاضر اختصاص تاريخ معاصر. جامعة تونس
الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *