جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

فنزويلا نقاش هادئ لوضع ساخن وصاخب



اسحق أبو الوليد


في السادس من كانون أول الماضي جرت الانتخابات التشريعية للجمعية الوطنية الفنزويلية وكانت النتيجة مفاجئة حتى
لمعظم الأوساط اليمينية تتطرفاً، حيث حصل تجمع هذه القوى في إطار ما يُسمى (الطاولة الديموقراطية) على 112 مقعداً، وتحالف قوى اليسار(القطب الوطني الكبير) على 55 مقعداً من أصل 167 مقعداً تتألف منها الجمعية الوطنية ، مما يعني أن اليمين حصل على ثلثي المقاعد التي تمكنه، إذا أراد، أن يلغي العديد من القوانين التي أقرتها الحكومات اليسارية السابقة، بما في ذلك إلغاء الدستور والدعوة لجمعية تأسيسية جديدة تلغي الجمهورية الخامسة.


هذه النتيجة أحدثت تغيراً كبيراً على موازين القوى حيث: القوة الاقتصادية أي 82% من وسائل الانتاج وأكثر من 85% من التجارة الخارجية، 24% من البلديات وحكام 3 ولايات، بالإضافة لثلثي الجمعية الوطنية بيد اليمين، أما اليسار لديه 167 بلدية أي 76% من مجموع البلديات، 20 حاكم ولاية من أصل 23 والرئيس، المخول دستورياً لتشكيل الحكومة ( الدستور في فنزويلا لا يُخول الحزب الأكبر بتشكيل الحكومة لأن هذه من صلاحيات الرئيس) . الحزب الاشتراكي الموحد، حزب الرئيس، حصل على 52 مقعداً لوحده أي حافظ على مكانته كأكبر حزب، يليه حزب العدالة أولاً اليميني، ذو ميول صهيونية، الذي حصل على 33 مقعداً، وحزب الفعل الديموقراطي، من قائمة اليمين، 25 مقعداً، والذي زعيمه، راموس أيوب، أصبح رئيس الجمعية الوطنية الجديدة، يليه ضمن قائمة اليمين حزب العصر الجديد، منشق عن حزب الفعل الديموقراطي، حصل على 18 مقعداً، أما الحزب اليميني ذو الميول الفاشية ـ الإرادة الشعبية ـ فقد حصل على 14 مقعداً.

في فنزويلا لا يوجد سجناء رأي أو بسبب أفكار مخالفة لنظام الحكم، هناك بعض السجناء المسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر عن العنف الفاشي المسلح، الذي اندلع بسبب عدم اعتراف اليمين بنتائج الانتخابات التي فاز فيها مرشح اليسار، والذي اختاره شافيز قبل رحيله (نيكولاس مادورو مورو )  عام 2013 ، مخلفاً 43 قتيلاً من المدنيين وقوات الأمن والجيش وأكثر من 920 جريحاً بعضهم تركت له جراحة عاهات دائمة. أبرز المعتقلين ليوبولدو لوبس زعيم حزب الإرادة الشعبية الذي تزعم أعمال الإرهاب والعنف، انطونيو ليديزما زعيم حزب الشعب الغاضب، والذي زار الكيان الصهيوني عدة مرات وقُدمّت ضده تهمة الخيانة الوطنية، و مانويل روسالس رئيس حزب العصر الجديد، الذي كان فاراً من العدالة بتهمة الفساد، وعاد إلى البلاد قبل الانتخابات بفترة وجيزة، بالإضافة لعناصر مجرمة تم اعتقالها أثناء أعمال العنف والشغب ملطخة أييديهم بدماء الشعب. على اثر هذه الأعمال التي استمرت أكثر من شهر ومن أجل احتوائها دعا الرئيس المنتخب الجديد، مادورو، إلى حوار وطني ذهبت إليه المعارضة، وهي مسلحة بحركة العنف والشغب، وقد ركزت مداخلات المتحدثين باسمها على " أن الحكومة لا تستطيع حل مشاكل الأمة المتفاقمة، وأن سياساتها الاقتصادية الفاشلة هي السبب وأنه لابد من التغيير الكلي والجذري للمسار وللنظام بأكمله أو يستمر العنف".

    بعد انتهاء هذة الجولة اليتيمة " للحوار " مارست الحكومة والحزب الحاكم سياسة وسطية توفيقية وإصلاحية عمّقت اللامساءلة والرشوة والفساد، وكرست الشللية والمحسوبية في الحكم، بحجة كسب التأييد الشعبي، مما أدى وفي ظل الهبوط المتسارع لأسعار النفط المصدر الرئيسي للدخل الوطني، إلى تراكم عوامل ومسببات الأزمة التي وصلت إلى ما هي عليه الآن من خطورة وخلقت أوضاعاً موضوعية شبيهة بالأوضاع التي سبقت فوز شافز في الانتخابات التي حصلت أواخر العام 1998 .

في ظل هذة الأوضاع وفي جو يشوبه التوتر، والقلق وعدم مقدرة الحزب الحاكم وحلفائه على إقناع الجماهير بأن الحرب الاقتصادية هي السبب " الوحيد " للأزمة حصلت  انتخابات الجمعية الوطنية (البرلمان ) والتي هزُمت فيها قوى اليسار  والتقدم صاحبة مشروع التغيير الثوري وبناء الاشتراكية والتي رغم اعترافها بهزيمتها إلا أنها تعتبرها هزيمة نهائية بل محطة لإعادة تقييم الأخطاء وتجميع القوي للهجوم المضاد، وللحفاظ على مكانة  فنزويلا التي شكّلت نقطة التحول الثوري على صعيد القارة بأكملها، لأن الفوز الذي حققه القائد الفذ هوغو شافيز واستلامه الحكم عام 1999 ألهم وحفز شعوب القارة  وقواها اليسارية، فمع بداية القرن الواحد والعشرين أخذت أنظمة اليمين الرجعي الديكتاتوري  بالانهيار على يد الجماهير وصعدت القوى اليسارية والتقدمية إلى الحكم، مما أدى إلى انحسار وتراجع النفود الامبريالي وخاصة الأمريكي الشمالي، مما شكّل قلق وازعاج بالغين لإدارات البيت الأبيض المتعاقبة وأصبح رأس فنزويلا هو " المطلوب أولاً ".

ففي ندوة له، بتاريخ 2 شباط 1999، في الجامعة المركزية الفنزويلية في كاراكاس حلل القائد الكوبي التاريخي فيدل كاسترو الوضع في أمريكا اللاتينية والعالم، وتناول بعمق الأهمية التاريخية لوصول الرئيس شافيز إلى الحكم، مؤكداً بأن هذا هو أهم حدث في القارة منذ عقود وأنهى حديثه، مشدداً " حتى اليوم، حتى هذه اللحظة، كان مصير القوى الثورية في القارة ومصير القارة يعتمد على كوبا، ولكن من الآن فصاعداً، اسمعوني جيداً، أصبح مصير القارة وكل العملية الثورية فيها بما فيه مصير كوبا نفسها يعتمدان على مصير الثورة البوليفارية وانتصارها في فنزويلا " إن هذا التشخيص لم يكن فيه أي نوع من أنواع المجاملة أو المبالغة. وكون الامبريالية الأمريكية تدرك هي أيضاً هذه الحقيقة، عملت ومنذ البداية على عرقلة وإفشال خطط وبرامج التنمية والتطوير للاقتصاد الفنزويلي الذي رزح لعقود طويلة تحت نير الاقتصاد الأمريكي، وكان حتى مجيء شافيز الأكثر ارتباطاً بالعجلة الرأسمالية الامبريالية ، كما كان منهكاً من  الديون الباهظة لصندوق النقد والبنك الدولي والتي بلغت 25 مليار دولار سددها شافيز في بداية عهده ليحمي استقلال بلاده . إن الامبريالية الأمريكية ومعها الحركة الصهيونية العالمية، لما لهما من " مصالح " واستثمارات في القارة وخاصة في مجالات الصناعة الحربية وبيع الأسلحة، والثروتين الحيوانية والزراعية،  تعتبران القارة مجال حيوي مغلق ولا يحق لأي قوة محلية أو عالمية أن تنافسهما على أسواقها الثمينة وثرواتها الغنية وخاصة المواد الأولية، لأنها كما يؤكد كيسنجر، الاستراتيجي والمفكر الأمريكي الصهيوني، في تصريح لة قبل أيام من وقوع الانقلاب الفاشي  الذي نفذة بينوشت،  بتخطيط ودعم أمريكي كامل على الرئيس التشيلي المناضل البطل، سلفادور الليندي في 11 ايلول 1973: إن الولايات المتحدة إذا لا تستطيع السيطرة علي حديقتها الخلفية (أمريكا اللاتينية) فإنها لن تستطيع ولا يمكن لها أن تطرح نفسها كقائد للعالم، لأن هذه المنطقة الحيوية ضرورية لها ليس فقط اقتصادياً بل من أجل تكريس وفرض قيادتها السياسية ونموذجها الاجتماعي ـ الاقتصادي أيضاً. هذا المبدأ وهذه العقيدة السياسية عاد وأكد عليها أوباما في مقابلة له مع صحيفة ميامي هيررد قبل جلوسه بأيام على كرسي البيت الأبيض في فترته الأولى، حيث قال: عندما ذهب جورج بوش إلى الحرب في أفغانستان والعراق ترك فراغاً في أمريكا اللاتينية، وهذا الفراغ ملأه شافيز. وأنا أرى  أنه من أولوياتي إخراج شافيز منها وإعادتها لنا كحديقة خلفية. هذه الاستراتيجية الاستعمارية كان قد حذر منها المحرر سيمون بوليفار الذي قال قبل أكثر من مئتي عام: أن الولايات المتحدة الأمريكية ستغرق الشعوب بالدماء باسم الدفاع عن الحرية، وكم هي مظلومة ومسكينة المكسيك بسبب قربها من الولايات المتحدة وبعدها الشاسع عن الله.

عند وصول شافيز للحكم كانت قوى اليمين الفنزويلي منهكة من الأزمة الشاملة التي كانت تعصف بالبلاد مند أواخر الثمانينيات، والتي أدت لانتفاضة شعبية سقط فيها آلاف الضحايا من جراء القمع، ولتمرد عسكري لم ينجح في السيطرة على القصر الجمهوري بقيادة شافيز، حيث التضخم وصل إلى أكثر من 700% والفقر 63% أما من هم تحت خط الفقر فقد وصلت نسبتهم إلى 18% مما خلق تربة خصبة للجريمة المنظمة، وتضاعفت أعداد الذين يفترشون الساحات، وتحت الجسور كمكان للسكن، بالإضافة للإفلاس المالي، حيث الديون الخارجية وصلت إلى أكثر من 25 مليار دولار، أما الاحتياط من العملات الصعبة وصل إلى أدنى مستوياته التاريخية، أقل من 5 مليار دولار . هكذا كان الوضع عندما وصل التشافزيون للحكم أي لم يستلموا البلاد مفروشة بالسجاد الأحمر ومزروعة بالورود. لقد كانت البنية التحتية مهترئة والجسور معرضة للانهيار والطرقات محفرة، والأدهى من هذا كله تم تدمير الزراعة والريف بعد الارتفاع الهائل لأسعار النفط في بداية السبعينيات من القرن الماضي، حيث هجر معظم الريفيين مزارعهم ومكان سكنهم إلى المدن بتشجيع من الحكومات اليمينية المتعاقبة وبشكل عشوائي، مما أدى لإحاطة العاصمة كاراكاس وباقي المدن بأحزمة من الفقراء الذين لم يجدوا غير بيوت الكرتون والصفيح لإيواء أنفسهم في ظروف لاإنسانية ومعقدة والتي تحتاج لجهود جبارة ولسنوات طويلة  ولرؤوس أموال هائلة لحلها.

 إن إدراك هذه الحقائق ضروري جداً للحكم والقياس والمقارنة، فبالرغم من الأخطاء والفساد والتخبط أحياناً في مجال الطريقة والأسلوب لبناء الاشتراكية، ورغم المؤامرة التي لم تتوقف يوماً داخلياً وخارجياً، بل كانت وما زالت تسير طردياً مع الزمن، هنالك العديد من الانجازات من أهمها: على صعيد الفقر، تم نشل أكثر من 40%  من هذه " الحفرة  "ونسبته الآن هي  ما بين ال23% وال 20%،  أما من هم تحت خط الفقر نسبتهم أقل من 7% . تم محو الأمية بشكل كامل، أكثر من ثلاثة ملايين مواطن ومواطنة تم ضمهم إلى عالم القراءة، وتم إعلان فنزويلا من قبل الأمم المتحدة أراضي محررة من الأمية، وتم توفير التعليم لأبناء الشعب بكافة مراحله، ولا يوجد إلا القليل جداً من هم خارج مقاعد الدراسة الالزامية والثانوية (أقل من 2% ) وتوفير المياه العذبة إلي أكثر من 95% من السكان . أما على صعيد البنية التحتية فقد بدأ منذ العام 2009 مشروع يربط كل أطراف البلاد بالسكك الحديدية، وقد تم انجاز أكثر من 65% من المشروع  الذي كان مقرراً له أن يكتمل في العام  2019، بالإضافة لاتمام بناء وإنجاز أكثر من مليون شقة سكنية سُلمت للمحتاجين بأقل من ستة سنوات، بالإضافة للعديد من المنشآت الجاهزة لاستقبال الآليات والماكينات الصناعية. أما على صعيد البناء الفوقي فقد تحققت إنجازات فكرية وثقافية وحقوقية ودستورية التي بمجموعها تشّكل البناء الفوقي الذي في لحظة ما وظروف مواتية سيؤثر في البناء التحتي ويساهم في تغيره . إذاً ما الذي جرى؟ وكيف ستتفاعل الأمور في عالم متبدل ومتحرك باستمرار، وفي مجتمع يشهد مرحلة أعلى من أشكال الصراع الطبقي، وهل الهزيمة تُعبّر عن رفض الجماهير للبناء الاشتراكي وانجازاته؟ أم غضب لم تستطع أي قوة ثورية احتوائه وتوجيهه في الاتجاه الصحيح، بل لم يستطيعون تفهمه بسبب انقطاع النخبة الحاكمة عن الجماهير وهمومها الأساسية ؟

في البداية لابد من توضيح مسألة هامة وهي،  هل هزموا البوليفاريين لأنهم أعطوا أصواتهم لليمين ؟ بالتأكيد لا. لأنه في آخر منافسة على الرئاسة بين البوليفاريين واليمين، حصل مرشح اليمين كابريلس رادونسكي على 7363264 صوت،  وفي هذه الانتخابات البرلمانية حصل اليمين على 7726066 صوت (57 % )  أي بزيادة قدرها 361802 صوت، معظم هذه الأصوات جاءت من الناخبين الجدد. أما البوليفاريين فقد حصلوا على 7587532 صوت في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مادورو، وفي هذه الانتخابات فقد حصلوا على 5650000 صوت أي بنقص1937532  ناخب لم يمارسوا حقهم الانتخابي ( إضراب انتخابي ). إن النظام الانتخابي الفنزويلي لا يقوم على التمثيل النسبي الكامل، بل هو خليط من القوائم والترشيح الفردي (الدوائر ) ويعمل لصالح صاحب الأصوات الأكثر، فرغم أن اليمين حصل على 57% من الأصوات إلا أنه حصد 68% من المقاعد أي أن نسبة الأصوات لا تتلائم مع نسبة المقاعد. بعد هذا التوضيح الضروري من الزاوية الاجرائية، و من أجل المزيد من التعرف على الأوضاع الداخلية، يجب بل من  الهام أن نتعرف على المراحل المختلفة التي مرت بها  عملية التغيير الثورية الفنزويلية:

 1 ـ مرحلة الاعداد الدستوري والقانوني –الحقوقي،  وقد شهدت صراعاً مميتاً مع القوى الرجعية المحلية والقارية تخللها الانقلاب الدموي في 11 نيسان عام 2002 على الرئيس شافيز، والذي يعتبر أقصر انقلاب في التاريخ، حيث لم يستمر أكثر من 48 ساعة، وقد ألحق اليمين هذا الانقلاب بإضراب عام لأرباب العمل !! شل كافة المرافق الاقتصادية، الانتاجية والتجارية،  واستمر  أكثر من ثلاثة أشهر كلف الافقصاد الوطني حوالي 28 مليار $ ، وقد تعّطل إنتاج النفط بشكل كامل، وتم تخريب كافة المعدات ذات التكنولوجية العالية من قبل الإدارة  المقالة، صفر انتاج . امتدت نتائج ومضاعفات هذه الأعمال الإضرابية التخريبية عدة سنوات، ولولا الارتفاع السريع والكبير في أسعار النفط لما تمت الانجازات اللاحقة التي ساهمت في تقوية العضلات البوليفارية خلال هذه المرحلة، التي انتهت بانتهاء ولاية شافيز الأولى عام 2006 . من أهم انجازات هذة المرحلة، إقرار الدستور الجديد للبلاد، الذي فتح الطريق لإقرار قانون الأراضي من أجل إنهاء الملكية الكبيرة شبه الاقطاعية وإجبار المالكين على زراعتها، قانون الصيد لحماية صغار صيادي الأسماك، ومنع الشركات الكبيرة من الصيد في المناطق القريبة من الشواطئ ، قانون السكن والايجارات، قانون النفط الذي حقق السيادة الفعلية على استخراج وتكرير وتصدير النفط، وبموجب هذا القرار تم رفع الضريبة على الشركات النفطية الأجنبية من 1% كما كانت في العهد السابق إلى 38% ، وقانون يلغي نظام الإدارة الذاتية للبنك المركزي واخضاعه لإشراف وإدارة الحكومة المركزية،ـ وقانون البنوك وغيرها من القوانين التي تحمي الانجازات وتدعمها . خلال هذة المرحلة أيضاً تم اتخاذ أهم قرارين سياسيين من قبل الرئيس الراحل شافيز الأول أن هذه الثورة هي ثورة معادية للامبريالية وأنه من المستحيل التعايش مع البرجوازية أو المساومة معها، وأن أي مساومة معها هي لصالحها. هذا كان الاستخلاص الأساسي بل الأهم لأسباب الانقلاب والاضراب العام، أما القرار الثاني كان ذو طابع فكري الذي يربط الثورة الوطنية الديموقراطية بالثورة الاشتراكية وأعلن أن الهدف النهائى للثورة هو بناء اشتراكية القرن الواحد والعشرين ، معلناً عن الخطط لتأميم المنشآت الاستراتيجية كالكهرباء والاتصالات والمياه، والبدء بالتحولات الاقتصادية والفكرية والسياسية والأخلاقية والحقوقية بهذا الاتجاة .

2 ـ  المرحلة الثانية تبدأ من العام 2006، أي عندما تم اعادة انتخاب شافيز كرئيس للدولة ، حتى رحيله. إن هذه  المرحلة تعرف بالحقبة الذهبية التي حقا يتذكرها المواطن بحنين، والتي تم فيها تم تحقيق معظم الانجازات، التي ذكرت أعلاه. بالنسبة لشافيز، في تلك المرحلة لم يتم إلا وضع الأساس الذي ستبنى عليه الاشتراكية، وكان يؤكد دائماً على مقولة غرامشي " القديم لم يمت بعد والجديد لم تكتمل ولادتة بعد " وإن كافة المشاكل التي تواجهها البلاد هي مشاكل البناء الشتراكي وليس بسبب الاشتراكية كما تدعّي البرجوازية، ففي أحد محاضراته عن البناء الاشتراكي قال " سألت القائد التاريخي للثورة الكوبية وللقارة الرفيق فيدل كاسترو عن أكبر خطأ ارتكبه خلال مسيرته المظفرة فأجابني : كنت أعتقد أن هنالك من يعرف كيف تبنى الاشتراكية، وأن هنالك طريق جاهز،  وما علينا إلا السير فيه، إنني على قناعة أن الوصول إلى القمر أسهل من بناء الاشتراكية ". لقد رحل شافيز وأخذ معه تصوراته وخبراته وتأملاته وقدراته . شافيز لم يكن ديكتاتوراً ولكن الفرق الفكري والمعلوماتي والسياسي والخبرة بينه من جهة وبين الكادر والجماهير من جهة أخرى كان لا يسمح لهؤلاء لا أن يكتشفوا أخطائه ولا أن يجرؤا على نقده. وهذه على ما يبدو مصيبة العديد من الأحزاب بما فيها أحزاب اليسار العربي . إن الرحيل المبكر لهذا القائد، هنالك اعتقاد أنه اغتيل بالسرطان، خلق أزمة حقيقية في مجالي التفكير والأداء التقتطها البرجوازية المحلية والعالمية التي كانت تطمح للتخلص منه منذ سنوات لتنفيذ أهدافها بالقضاء على مجمل العملية الثورية في فنزويلا والقارة .  إن الصراع الطبقي والصراع على السلطة السياسية، الذي لم يزول يوماً، تخبو حدته أو تتصاعد اعتماداً على درجة التطور والنمو للاقتصاد الوطني هو الآن أكثر حدة لأن الأزمة أعمق وأشمل وتقترب من جديد من دائرة الحسم، فإن اليمين الفنزويلي ومن ورائه الامبريالية والصهيونية يرميان بكامل ثقلهم من أجل أن يكون الحسم لصالحهم.  ففي هذة المعركة يلعب الإعلام دوراً مهماً وأساسياً، وكما هو معروف أكبر الماكينات الاعلامية والتي تسيطر على معظم مرافق المجتمع هي بيد اليمين، ومن أهم وظائفها الحديثة احتواء الواقع  وتشويهه، وتفكيكه، وإعادة فرضه على المواطنين بما يخدم أهدافها واستراتيجيتها، وهنا تلعب الحرب النفسية والإشاعات  أحد أهم المصادر لتشكيل " الوعي " المزيف الذي بدوره يعمل كسلاح فتاك ضد المصلحة الشخصية والوطنية، فقد صرح أحد العمال من شركة ( بولار ) كبرى الاحتكارات وأحد أشرس المتآمرين على الاقتصاد الوطني الذي طرد من عمله بعد أيام قليلة على فوز اليمين  " نعم اعطيت صوتي لليمين من أجل التغيير وعقاب للحكومة على سوء الأداء و الفساد، ومن أجل حل مشكلة الطوابير بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية والأدوية، إنني نادم لقد اكتشفت أنني لم أعاقب غير نفسي " كما هو حال هذا  العامل" النادم" يوجد المئات من المواطنين لديهم نفس الاحساس والمشاعر ومرشحين للازدياد كلما اتضحت حقيقة سياسة اليمين لمن كان يجهلها.

إن اليمين غير معني بحل الأزمة، بل هي مطيته وفرصته للوصول للحكومة ورئاسة الجمهورية، وقادته يطالبون الحكومة إما الاستسلام أو المواجهة. ففي رده على الخطاب السنوي لرئيس الجمهورية، نيكولاس مادورو، قال الرئيس اليميني الجديد للجمعية الوطنية زعيم حزب الفعل الديموقراطي، راموس أيوب ـ من أصل عربي ـ "عليك أيها الرئيس " أما أن تتنحى أو أن تنكسر" مجيباً بذلك على مبادرة الرئيس مادورو التي طرحها في سياق خطابه السنوي والتي جاء فيها استعداده لإجراء  تسوية تقوم على " حل مشرف ينصف ضحايا العنف الفاشي، واعتراف المذنبين بجرائمهم ومسؤليتهم عنها " !!                                                     إن الصراع على السلطة سيحتدم، وكلا الطرفين يملكان من أوراق القوة والأسلحة المحلية والاقليمية ما يؤهله لحسم الصراع لصالحه، ولكل طرف نقاط ضعفه. يضم ائتلاف اليمين قوى من يمين الوسط حتى الأكثر تطرفاً وفاشية ومن غير المضمون أن يتفقوا على تكتيك واحد للاستيلاء على السلطة التنفيذية (الحكومة ) مما سيربك فاعلية أدائهم وسيؤثر على حجم التأييد الجماهيري لهم، أما الطرف الحاكم فهو يعاني من أزمة ثقة مع الجماهير، إن لم يستعيدها سيكون من الصعب عليه خوض المعركة بنجاح لأن هذه الجماهير ترى بالعين المجردة كل مظاهر الرشوة والفساد الإداري والسرقات التي تمر بدون محاسبة أو مسائلة . إن التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس مادورو جاء تعبيراً عن مراكز القوى داخل الحزب الحاكم والمؤسسات الحكومية، فكان عبارة عن تزاوج بين التكنوقراطيين و" الثوريين " بهدف إخراج الاقتصاد من أزمته الخانقة، وهذه، ربما، طلقته الأخيرة وتعلق عليها العديد من القطاعات الجماهيرية والاقتصادية الآمال الكبيرة . القيادات اليمينية ترى في هذة الخطوة " إن الدواء أسوأ من الداء " ويراهنون بل سيعملون لإفشالها ويعدون أنفسهم لليوم التالي، ويراهنون على الدعم الامبريالي الصهيوني اللامحدود للسيطرة على البلاد .

 من هنا تصبح وحدة القوى الثورية وخاصة اليسار الماركسي وتكريس القيادة الجماعية وضبط المجموعات المسلحة، وخاصة في المدن، لضمان تكتيك موحد مؤهل لعدم بدء العنف من جهة وضبطه إذا ما تفجر من جهة أخرى .      

  فنزويلا تمر بمرحلة صعبة ومصيرية وعلى أرضها سيتم تقرير مصير القارة بأكملها، لنقف إلى جانبها وندعمها وندافع عنها لأنها وقفت وما زالت، رغم جراحها، مع كافة قوى التحرر والقضايا العادلة في القارة والعالم، تدعمها قولا ًوعملا ًوكان لقضيتنا الفلسطينية القسط الأكبر.                    
الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *