مقالات
ولنا في تجارب الأخرين عبرة!!!
عطا
أبو رزق
قبل
أحد عشر عاماً تقريباً عبر لي أحد زملاء العمل بعد عودته من رحلة تدريبية في
اليابان عبر مؤسسة جايكا اليابانية عن
تفاجئه من موقف اليابانيين في مدينتي هيروشيما وناغاساكي اللتان تم قصفهما بالقنابل الذرية خلال الحرب العالمية الثانية من قبل الولايات المتحدة ودمرتا تدميراً كاملاً وقتل مئات الالاف من سكانهما، وما فاجأ زميلي هو عدم حمل اليابانيين أي كره أو إحساس بالنقمة على الولايات المتحدة التي فعلت بهما ما فعلت، وقولهم له بأنه يتوجب علينا أن نشكر الولايات المتحدة لا أن نكرهها لأنها جعلتنا نتنفس الحرية بعد أن تخلصنا من نظام دكتاتوري وأصبحنا في مقدمة الشعوب الصناعية. قلت حينها لزميلي لعلك قابلت أحد اركان النظام في اليابان أو أحد المنبهرين بالسياسة الأمريكية ونظامها السياسي وبالتالي أصبح من المسبحين بحمدها كما يحدث في عالمنا العربي. فرد علي زميلي بالقول: لقد خمنت ذلك في البداية، لذلك حاولت التقصي في الأمر بطرق متعددة ومن اشخاص مختلفين، وقد سمعت ردوداً متشابهة وتحمل نفس المضامين.
تفاجئه من موقف اليابانيين في مدينتي هيروشيما وناغاساكي اللتان تم قصفهما بالقنابل الذرية خلال الحرب العالمية الثانية من قبل الولايات المتحدة ودمرتا تدميراً كاملاً وقتل مئات الالاف من سكانهما، وما فاجأ زميلي هو عدم حمل اليابانيين أي كره أو إحساس بالنقمة على الولايات المتحدة التي فعلت بهما ما فعلت، وقولهم له بأنه يتوجب علينا أن نشكر الولايات المتحدة لا أن نكرهها لأنها جعلتنا نتنفس الحرية بعد أن تخلصنا من نظام دكتاتوري وأصبحنا في مقدمة الشعوب الصناعية. قلت حينها لزميلي لعلك قابلت أحد اركان النظام في اليابان أو أحد المنبهرين بالسياسة الأمريكية ونظامها السياسي وبالتالي أصبح من المسبحين بحمدها كما يحدث في عالمنا العربي. فرد علي زميلي بالقول: لقد خمنت ذلك في البداية، لذلك حاولت التقصي في الأمر بطرق متعددة ومن اشخاص مختلفين، وقد سمعت ردوداً متشابهة وتحمل نفس المضامين.
قبل عام أو أكثر قليلاً وأنا أبحث في المكتبات
الالكترونية على الانترنت وقع بصري على كتاب بعنوان " العرب وجهة نظر يابانية
" للكاتب الياباني المستشرق " نوبوأكي نوتوهارا " حيث يَسرد الكاتب
تجربة أربعون عاماً قضاها في العالم العربي لامس خلالها وعن قرب العديد من الهموم
التي تشغل بال العربي وعاين وقارن بين طريقة تفكير الانسان الياباني بالإنسان
العربي مع اقراره بأن لا يمكن ولا يجوز اسقاط مفاهيم وقيم مجتمع ما على مجتمع اخر
يختلف عنه ثقافياً وحضارياً، كما أن هذا الكاتب قدم للقارئ الياباني العديد من
الأعمال الأدبية لكتاب عرب أمثال غسان كنفاني ويوسف إدريس وجمال حمدان وإميل حبيبي
... وغيرهم الكثير.
وعودة
لموضعنا الذي بدأناه فبعد قراءتي للكتاب يبدو أن هذا الموضوع يشغل بال الكثيرين في
عالمنا العربي وأن استغرابهم من الموقف الياباني لا يقل بأي حال من الأحوال عن
استغراب زميلي الذي فوجئ بموقف اليابانيين واستغرابي أنا أيضاً مما سمعت، لذلك يرد الكاتب
"نوبو أكي " على هذا الموضوع في كتابة ويقول: " كثيراً ما واجهت
هذا السؤال في البلدان العربية: لقد ضربتكم الولايات المتحدة الأمريكية بالقنابل
الذرية فلماذا تتعاملون معها؟ ونتيجةً لمعايشته العرب لفترات طويلة فإنه يعلم
طريقة التفكير العربي إذ يقول : "العرب عموماً ينتظرون من اليابانيين عداء
عميقاً للولايات المتحدة الأمريكية لأنها دمرت المدن اليابانية كافة". وكأنه
يريد أن يقول بطريقة أخرى بأن العرب لا يجيدون اتباع طرق التفكير الإيجابي، رغم
أنه يدرك تماماً بأن معاناة العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً من الولايات المتحدة
تكمن في دعمها المستمر والمتواصل منذ النكبة وحتى اليوم للعصابات الصهيونية
وتغطيتها الدائمة لجرائم الاحتلال الصهيوني والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في
الحرية والدولة المستقلة وعودة اللاجئين؟؟ . لذلك فهو يعقب على طريقة التفكير هذه
بقوله: " ولكن طرح السؤال على هذا النحو لا يؤدي إلى شيء". إذا لم تكن
هذه طريقة مُثلى في التفكير، فما العمل إذاً؟ وكيف يتوجب علينا التفكير في ذلك؟.
يقول نوبوأكي أنظروا كيف فكر اليابانيين: " علينا نحن اليابانيين أن نعي
اخطاءنا في الحرب العالمية الثانية أولاً ثم نصحح هذه الأخطاء لأننا استعمرنا
شعوباً أسيوية كثيرة ثانياً. وأخيراً علينا أن نتخلص من الأسباب التي أدت إلى
القمع في اليابان وخارجها". هكذا إذاً يكون التفكير الإيجابي هو أن يدرك كل
إنسان فيما قدم وأين أصاب وأين أخطأ قبل أن ينظر لما حل به من ردة فعل الأخرين أو
عدوانهم عليه، لذك أيضاً فهو يضيف بقولة: " إذاً المشكلة ليست في أن نكره أمريكا أم لا.
المشكلة في أن نعرف دورنا بصورة صحيحة ثم أن نمارس نقداً ذاتياً بلا مجاملة
لأنفسنا بعدئذ نختار الطريق الذي يصحح الانحراف ويمنع تكراره في المستقبل".
هل وقف العرب أمام ذاتهم وقيموا كل مسلكياتهم منذ النكبة عام 1948 مروراً بالعدوان
الثلاثي 1956 وهزيمة حزيران 1967 انتهاءً بحروب الخليج الثلاث وما يسمى بالربيع
العربي التي أدخلت المنطقة في دوامة من الصراعات التي قد لا تنتهي في الوقت القريب
وبتنا على حافة التقسيمات الطائفية والعرقية التي نفخت بها القوى المعادية للعرب
ولوحدة بلدانها؟؟. هل مارسنا نحن الفلسطينيين النقد والنقد الذاتي دون محاباة أو
مجاملة أو تزيوق لمسيرة حركتنا الوطنية وقيمنا بصورة حقيقية لماذا يتقدم عدونا
علينا دائماً وباستمرار ونحن نتراجع رغم عدالة قضيتنا ورغم الثمن الكبير الذي دفع
عبر تاريخ صراعنا مع قوى الاستعمار والاحتلال الممتد لأكثر من قرن وربع القرن؟؟ هل
حيدنا مشاعرنا جانباً وتعاملنا مع مآسينا بعقل متفتح لكي نصنع مستقبلاً يليق بمستوى
تضحياتنا كما فعل اليابانيون وكما عبر عنها الكاتب "نوبوأكي ؟؟ " أما
المشاعر وحدها فإنها مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلاً. من هذا الموقع نفهم
مأساة هيروشيما وناغاساكي. ونفهم علاقتنا مع العالم. نحن اليابانيين نفهم القاء
القنبلة الذرية على مدننا مقترنناً بأخطائنا التي ارتكبناها في الحرب العالمية
الثانية وقبلها". لقد وضع اليابانيون أصبعهم على الجرح وقالوا بصريح العبارة
وبدون مجاملة أو تزييف، نحن أخطأنا وساهمنا بصورة مباشرة في جلب هذا الدمار لبلدنا
ولشعوبنا، كم من الأخطاء بل والخطايا التي ارتكبتها حركتنا الوطنية بحيث تسببت في
العديد من المآسي لشعبنا وأخرها جريمة الانقسام السياسي والوطني دون أن نتوقف
عندها ونعترف لشعبنا بخطيئتنا ونعمل على التصحيح وتصويب المسار لكي يكون شعبنا
شاهداً ومشاركاً في حركة التصحيح؟؟، مازالت العديد من القوى الفلسطينية التي تعتبر
نفسها قوى علمانية وتقدمية تخشى النقد والنقد الذاتي وتخشى التصريح به للجماهير وذلك
خوفاً على اهتزاز صورتها ومن تحملها مسئولية ما ارتكبت من أخطاء.
ولو
أننا حولنا مشاعر الحقد والكره التي تختزن في صدورنا على الممارسات الإرهابية للاحتلال
وقطعان مستوطنيه إلى كره وحقد على كل أشكال الإرهاب التي تتعرض له شعوب العالم دون
تميز، ورفضنا ممارسته على أحد وحافظنا على تمسكنا بحقنا في مقاومة الاحتلال
والدفاع عن حقنا المشروع في الدولة المستقلة وتقرير المصير وعودة اللاجئين الذي
كفلته لنا الشرعية الدولية، ألا يجلب لنا هذا دعماً وتأيداً متزايداً من قبل العديد
من شعوب العالم ؟ ويحشر الاحتلال باستمرار في الزاوية، ويضعهم في قائمة من يمارسون
الإرهاب المنظم؟ يجب أن نتعلم من تجاربنا ومن تجارب الأخرين ونستفيد منها قدر ما يمكننا
الاستفادة لأن هذا في نتيجته يصب في خدمة قضيتنا وشعبنا .