جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية



بقلم : عطا أبورزق

من أجمل ما قرأت من تفنيد لهذه المقولة الدارجة شعبياً ما كتبه الدكتور يوسف زيدان في كتابه متاهات الوهم. لذا رغبت أن أوردها هنا مرة أخرى للزيادة في الاستفادة والوعي بما قد يخفى .

إذ يرى د. زيدان أن الخلاف في الرأي هو كالاختلاف في أي شيء أخر الذ من شأنه أن يطيح بكل قضايا الود والتواد والتودد والموده إلى أخر مشتقات هذه الكلمة الطيبة. ويرى أيضاً بأن ما يعتقده الكثير من الناس بأن المشاكل ممكن أن تحل لوحدها لو تركت للزمن هو اعتقاد خاطئ وغير دقيق إذ أن تجارب الأمم والشعوب، وتجارب الإنسانية الطويل تقول بأن الخلاف يبدأ عادة صغيراً وشاحباً وإذا طال عليه الزمن كبر واستقوت ملامحه. ويضرب مثلاً على ذلك حرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب في الزمن القديم، واختلاف جنكيز خان (المغولي) مع محمد خوارزم شاه (المسلم) على تسيير القوافل والذي نتج عنه حرب طويلة الأمد راح ضحيتها ملايين البشر. ويستطرد في التوضيح حول مفهوم الاختلاف ويقول: إن أهوال الاختلافات المرعبة تهب رياحها القوية مع إهمال اسرار الخلافات الهينة التي تصير مع مرور الوقت عويصة ومعقدة خصوصاً إذا توارثتها أجيال بعد أجيال. عندها ترسخ في النفوس آليات التناقض والرفض والنزاع، فتصير تراثاً عند هؤلاء وأولائك، وكل تراث له في النفوس قداسة، مما يجعل إعادة النظر فيه أمراً شائكاً غير شائق عند الكثيرين وغير مطلوب. ويضيف زيدان على ذلك بقوله:
" إن الخلاف بين الناس في أوله لذيذ، يبدو لأول وهلة سبيلاً للتمايز وطريقاً للخصوصية، والإنسان بطبعه يميل إلى ما يؤكد ذاته ويُجَوّهِرُ صفاته، وإدمان الخلاف والعكوف عليه، يقود بالضرورة إلى الشعور بالتميز والاختلاف. وهو شعور "مُرْضي" لأنه يُريح وجدانياً، لكنه شعور "مَرَضي" لأنه مع مرور الوقت يقترن بإعلاء وهمي للذات وحط تلقائي من شأن المخالفين، وخاصة إن كان الخلاف موروثاً والاختلاف تراثياً ومقدساً ".
وما أورده زيدان حول الاختلافات الدينية والمذهبية ينطبق تماماً على الواقع المعاش ومحاولات البعض لإذكاء نار الصراعات الطائفية ( سني – شيعي ) التي نفخت فيها قوى الاستعمار وتلقفتها بعض دول المنطقة، وسعت لتأجيجها ظناً منهم أن هذا الصراع يمنحهم حق السيادة والوصاية على دين الإسلام والمسلمين، وهم بذلك مخطئين، لأن هذا الصراع سيدخلنا في حرب لها بداية وليست لها نهاية وستحرق المنطقة بأسرها.
  يقول د. يوسف زيدان:
" يبقى الاختلاف الديني والاختلاف العقائدي، هو الأدوم والأثقل والأفظع والأفتك بين الناس. لأنه بطبيعته محتد الأثر في الأجيال، ولأنه يتوسل في احتدامه بحجة خطيرة هي امتلاكه اليقين وضلال المخالفين، ولأنه يزعم لنفسه قداسة لا حدود لها، بادعائه النطق باسم الإله .. الله .. الرب .. يهوه .. إلوهيم .. إيل .. أهيه الذي أهيه ( أحد أسماء الله في التوراة ).
ولأن الاختلاف والتناحر القائمين على الخلاف والتنوع المذهبي في الدين، سجلا في تاريخ الإنسانية أروع المعدلات ( الروع في فصيح اللغة تعني الفزع ) في أطول الحروب زمناً، وهي الحروب الصليبية التي كانت لها دواع كثيرة، إلا ان شعارها الأعلى ظل دوماً دينياً. ومن أفظع حوادث البشرية، وما جاء في غرب أوروبا من قيام الكاثوليك بالسكين على البروتوستانت، حتى ذبحوا منهم في يوم واحد ( يوم واحد ) ثمانمائة الف شخص .. ثمانمائة الف إنسان قتلوا في يوم واحد لأنهم مسيحيون بروتوستانت اختلفوا مذهبياً مع مسيحيين كاثوليك اعتقدوا أنهم وحدهم على صواب وأن اليقين التام في جانبهم وحدهم، وأن مخالفيهم ضالون. فذبحوهم. وقد نسوا معظم كلام السيد المسيح ووصاياه، وتعلقوا فقط بما هو مكتوب في الانجيل من قول المسيح : " أتظنون أنني جئت لأضع في الأرض سلاماً، ما جئت لأضع في الأرض سلاما بل سيفاً، جئت لأفرق بين الأبنة وأمها، وبين الأبن وأبيه " تعلقوا بذلك وفهموه على وجه واحد، ولم يتأولوا الوجوه الأخرى لمعنى العبارة. فهاجت الأهوال وأطل العنف من تحت الأرض، فالتهم أقدام الناس وأرتوى بدمائهم ومضغ قلوبهم وأطاش عقولهم.
لأن العنف الديني أصيل، نظامي، مقدس، لا يلبث إن لم تطفأ شرارات ابتدائه، ان تثور شرر نهاياته، فتندفع في ارض الله المرعباتُ العاديات ضبحا، وتدق الطرقات سنابك الخيل الموريات قدحا، وتُفزع الناس الجحافل المغيرات صبحا، المثيرات نفعا ".
هل يفيق من ينفخون في بوق هذا الصراع الذي لا طائل منه سوى الحرب والدمار وملايين البشر تقتل وموارد تهدر ومستعمر يتلذذ ويزداد ثراء واستقرارا .
الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *