جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

شوارع المخيم تعج بالأنين



دبوس
====
 عطا أبورزق
أجيال متعاقبة ارتبطت بالمخيم برباط أشبه برباط الحبل
السري الذي يربط الجنين برحم أمه، ولدوا وحبوا وكبروا، ولعبوا حفاة عراة في أزقته وحواريه، عشقت أرضه أقدامهم فالتحموا به، فأصبحوا والمخيم قطعة واحدة لا انفصام بينهم شكله في ملامحهم حتى ألوانهم طحينية بلون طينه. مخيمنا هو ذاك المخيم القابع في الجزء الغربي من مدينة خان يونس، ويبعد عن شاطئ بحرها 2 كلم، أنشئ كباقي مخيمات قطاع غزة بعد الهجرة مباشرة في العام 1948 من قبل الصليب الأحمر الدولي وكان عبارة عن خيام وعلى مساحة 549 دونم ثم توسعت المساحة إلى أن أصبحت 564 دونماً.

استبدلت الأونروا الخيام ببيوت من الطين والعسف في المخيم مباشرة بعد أن انتقلت مسئوليته من الصليب الأحمر الدولي لها في بداية الخمسينيات. وعلى اثر انتشار العديد من الأمراض والأوبئة بين اللاجئين في منتصف الخمسينيات قرر المكتب الهندسي في الأونروا الذي أنشئ خصيصاً للإشراف ومتابعة مهمة التنظيم في المخيمات، والذي أغلق وانتهى دورة مباشرة بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، إعادة بناء المخيم بالحجر الاسمنتي والقرميد، وقسم المخيم إلى 13 بلوك، وسميت بالأحرف الإنجليزية.
خلال 67 عاماً من عمر اللجوء وإنشاء المخيم زاد عدد سكانه من 12 ألف إلى 76 ألف نسمة حالياً حسب تقديرات الأونروا، دون أن يطرأ أي تغير أو تبديل على مساحة المخيم، وغابت أو غيبت الجهات التي ترعى تنظيم المخيم، فذابت شوارعه الواسعة في قلب بيوته، جراء تضخم بيوته أولاً بشكل أفقي، ومن ثم اختفت ملامح بيوته القرميدية والأسبستيه البسيطة ولوحات الحديد المطبوع عليها أرقام البيوت والشوارع وأسماء البلوكات التي كانت تميز المخيم، وتعالت في وسطه البنايات العالية دون رقيب أو حسيب لتستوعب الزيادة العالية في عدد سكانه وتمدد عائلاته، فاختنق المخيم واصبح كتلة خرسانية صماء لا متنفس فيها، تصفع وجهك جدرانه كلما نظرت إليها، وتعصر أعصابك أزقته التي باتت ضيقة وأنت تمر فيها، تكاد تسمع أنينها من شدة الضيق وكأنها شرايين القلب التي يحتاج بعضها إلى عملية جراحية لتوسعتها وبث الحياة فيها من جديد، وأخرى إلى قسترة لتعيد لها حيويتها ومرونتها. 
في بداية الثمانينات من القرن الماضي بعد تفكيك مستوطنة ياميت في سيناء حاصرت المستوطنات الإسرائيلية المخيم من جهاته الثلاث الشمالية والغربية والجنوبية، وحجبت عنه وعن المدينة إمكانية التطور والتمدد باتجاه الغرب، وخلقت الذرائع والمبررات لإدارة الأونروا في عدم تقديم أي مشروع تطويري لمخيم خان يونس كما فعلت مع المخيمات الأخرى في القطاع، وعليه فقد بقي المخيم تعج شوارعه الضيقة بالزحام، وتئن بيوته من تكدس اللحم البشري الحي فيها، وغرق جل بيوته في الشتاء. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000م دمر الاحتلال بيوت المخيم المحاذية للمستوطنات وأبادها وسواها بالأرض وهجر سكانها مرة أخرى باتجاه الشرق وسط المخيم أو في المناطق الشرقية من المدينة، وعاد بعضهم ليسكن الخيام التي وزعها الصليب الأحمر على المهجرين كما فعل قبل 67 عاماً، وبسبب أو بأخر احترق البعض فيها وقتل.
لقد استحق مخيم خان يونس أن يطلق عليه لقب " مخيم منكوب "، هذا ما توافقت عليه بعض النخب السياسية والاجتماعية في مدينة خان يونس ومخيمها التي شكلت مع رئاسة مكتب الأونروا في خان يونس مجلساً استشارياً· مهمته النهوض بالمخيم وتطويره، وتقدمت برسالتها ومقترحاتها لتحسين شروط الحياة في المخيم، ووضعه على بداية طريق التطوير الشامل أسوة بباقي مخيمات القطاع لكل المسئولين في الأونروا والوفود الأجنبية الزائرة للمحافظة ولمكتب رئاسة الأونروا فيها، أملة في ذات الوقت الخروج من شرنقة الخوف على صورة المخيم ورمزيته بالنسبة لقضية اللاجئين، ومن المقولات التي حبس الكثيرون أنفسهم داخلها بأن أي تطوير للمخيم هو فعل من رجس الشيطان الغرض منه تذويب المخيم وانهائه. وأن من يقوم بأي عمل من شأنه تطوير المخيم يقدم خدمة جليلة للاحتلال في تنفيذ مشاريعه الهادفة لتصفية المخيم.
إن استمرار البؤس والحياة القاسية التي يعانيها اللاجئين في المخيم ليست عنواناً أو رمزاً لقضية اللاجئين، والبيئة الاجتماعية والاقتصادية البائسة في المخيم لن توفر للاجئين أمكانيات الصمود والثبات في الدفاع عن قضيتهم وعن حقوقهم كلاجئين وكفلسطينيين بالدرجة الأولى يناضلون من أجل تحقيق أهدافهم الوطنية الشاملة وإقامة الدولة وتحقيق حق العودة. إن قضية اللاجئين الفلسطينيين ليست قضية إنسانية فقط بل هي قضية سياسية بامتياز، حلها مرتبط بالحل السياسي الشامل للقضية الفلسطينية المتمثل في تطبيق وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تنص على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم وفق قرار الأمم المتحدة 194 وتعويضهم. لذا يجدر بكل وطني حريص على قضية شعبه وعلى قضية اللاجئين أن يبذل أقصى ما لديه من طاقة في سبيل توفير بيئة معيشية ملائمة وصحية لعموم اللاجئين في المخيمات، لاسيما أن فترة المكوث فيها طالت كثيراً، لا أن يكون عائقاً في وجه من يسعى لتحسين حياة الناس وخلق مناخات أكثر أمناً وأماناً للاجئين في مخيماتهم. وأريد أن أذكر هنا بأن اللاجئ الذي خرج من المخيم وسكن بعيداً عنه ولكنه بقي في حدود قطاع غزة لم يفقد هويته كلاجئ وبقي يتمتع بكل ما تقدمه الأونروا من خدمات سواء كانت تعليمية أو صحية أو تموينية أو تشغيلية، كذلك الحال للاجئ الفلسطيني الذي يعيش في سويسرا  أو غيرها من بلاد الغرب، لم ينس أنه لاجئ ولم ولن يتخلى عن حقه كلاجئ رغم أنه يعيش في بلاد أجنبية، للإنسان فيها له قيمه وكرامة، ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا الذي دمرته القوى الظلامية وهجرت سكانه اللاجئين من قلبه ليعيشوا مرارة اللجوء مرة أحرى في المنافي والشتات، لم يكن هذا المخيم مخيماً كمخيمات غزة والضفة ولبنان بل كان يتمتع بكل صفات المدينة، ورغم ذلك كان يعد مخيماً من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في مناطق تشتتهم ولم يفقد اللاجئين الفلسطينيين الذين يسكنونه صفة اللاجئ. إذاً   لماذا يصر البعض على أن تبقى مخيمات القطاع وفي مقدمتها مخيم خان يونس يعيش حالة البؤس وعدم التطوير؟ وهل يظن هذا البعض أن رمزية اللاجئين ستبقى إذا ما بقي المخيم في وضعه البائس المتردي؟ وهل البيئة السيئة والمتردية وغياب البنى التحتية والشوارع النظيفة في المخيم ونحن في القرن الواحد وعشرون يمكن لها أن تعزز صمود اللاجئين وقدرتهم على مواصلة النضال من أجل استعادة حقوقهم في الحرية والعودة؟




· تم تشكيل المجلس الاستشاري الداعم لرئيس مكتب الأونروا في منطقة خان يونس منذ 2010 وهو مشكل من ناشطين مجتمعيين والقوى السياسية واللجان الشعبية للاجئين والبلدية والمجلس المركزي لأولياء الأمور في مدارس الأونروا والداخلية والشرطة والدفاع المدني. انبثق عن المجلس الاستشاري الفريق المجتمعي الداعم للتعليم، وفريق تطوير وتحسين شروط المعيشة في المخيم ويشترك في هذا الفريق كل مكونات المجلس الاستشاري.  

الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *