جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات أعجبتني

هل من صراع حقيقي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي؟ ما طبيعته؟



بدأ الصراع على دور الدين في الحياة العامة والسياسية في أمريكا مبكراً منذ تأسيسها بين فريق يدعو إلى ضرورة حضور الدين في الدستور كتابةً، وفريق يعارض ذلك منطلقاً من أنّ الدين علاقة بين الفرد والخالق وستبقى حاضرة في المجال الأخلاقي، وقد انتصرت هذه الرؤية للدين المدني المتسق مع الأفكار العلمانية لدى أغلب رؤساء أمريكا، واستمرت حتى حملة نيكسون 1968، لتعود وتطرح نفسها بعد ذلك.
ديمقراطية الآباء المؤسسين

بدأ الصراع على دور الدين في الحياة العامة والسياسية في الولايات المتحدة مبكراً منذ تأسيسها
لكن هذا لا يعني أنّ الآباء المؤسسين كانوا يرغبون بدولة ديمقراطية خالصة "فلن تجد في إعلان الاستقلال ما يقول شيئاً عن أمريكا باعتبارها ديمقراطية، وهناك سبب لذلك، فقد كان الرجال من أمثال؛ جورج واشنطن، يعارضون الديمقراطية صراحةً"، بحسب ديفيد غريبر في كتابه "مشروع الديمقراطية"، وهذا ينطبق أيضاً على ماديسون وهاميلتون وآدمز وغيرهم من المؤسسين للاتحاد الذين عبَّروا عن رغبتهم في إنشاء نظام يتجنب أخطار الديمقراطية ويسيطر عليها، والتعتيم الإعلامي والقمع الذي قوبلت به حركة "احتلوا وول ستريت" في العام 2013 هو مجرد مثال على شكل الديمقراطية الأمريكية، كما يقول غريبر.
أوجه الشبه والاختلاف بين الحزبين
يقوم الحزب الديمقراطي والجمهوري، كل على حدة، بالمصادقة على برنامج سياسي كل أربع سنوات تتضح من خلاله أهداف وتوجهات كل حزب. بدأ الحزب الديمقراطي محافظاً ثم تحوّل تحت قيادة الرئيس فرانكلين روزفلت العام 1932 باتجاه الليبرالية والأفكار التقدمية ومناصرة النقابات العمالية وتدخل الدول في الاقتصاد، ويؤيد الحزب الديمقراطي خفض التسلح النووي وتقليل الإنفاق العسكري ويقف مع حل النزاعات الخارجية سلمياً ويدعم الإجهاض وزواج المثليين، وهو في هذه القضايا على النقيض من الحزب الجمهوري، لكنّ الحزبين يتفقان في قضايا أخرى، على رأسها، أمن إسرائيل.
الآباء المؤسسون عبَّروا عن رغبتهم في إنشاء نظام يتجنب أخطار الديمقراطية ويسيطر عليها
ويتكون الحزب الجمهوري من أغلبية يمينية مسيحية "الصقور" وجناح ليبرالي "الحمائم"، ومن الأمثلة على سيطرة الجناح اليميني وإخضاعه للجناح الليبرالي، وفق غريبر، ما قام به جورج دبليو بوش حين غيّر موقفه من حقوق الإجهاض "وتبنيه السياسات الاقتصادية التي وضعها ريغان والتي سخر منها ذات مرة ووصفها بأنّها اقتصاد مشعوذ"، وما قام به ماكين عند اختياره لسارة بالين مرشحة لمنصب نائب الرئيس هو "محاولة أخرى للتودد للمحافظين الثقافيين داخل الحزب الجمهوري" من أجل حشد المسيحيين المحافظين وراءه. وفي أثناء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري المنعقد في مدينة هيوستن، "أقر البرنامج السياسي للحزب الجمهوري بإيمانه بالله على نحو واضح.. وأعطى بوش الأولوية لقضايا الإجهاض وإقامة الصلوات داخل المدارس ومعارضة حقوق المثليين".
اقرأ أيضاً: هل يسمح الحزب الديمقراطي المسيحي بانخراط المسلمين فيه؟
ويربط خطاب الحزب الجمهوري بين المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والدين؛ ويكشف خطاب دان كويل، نائب الرئيس بوش، عن نموذج لهذا البرنامج الذي يدَّعي أنّ "الافتقار إلى القيم ناتج عن تفكك الأسر التقليدية"، وليس بسبب الفقر وتغوّل الرأسمالية التي صاحبت التحول الاقتصادي عقب الثورة الصناعية.
بدأ الحزب الديمقراطي محافظاً ثم تحوّل تحت قيادة الرئيس فرانكلين روزفلت العام 1932 باتجاه الليبرالية والأفكار التقدمية
وفي المحصلة يتجنب الحزب الجمهوري القضايا الجوهرية ويركّز على قضايا مُسيّسة، والتعامل مع تدمير البرجين في أيلول (سبتمبر) 2011 سيُفهم على نحو أفضل في سياق الحرب بين الحزبين على أصوات الناخبين، والنتيجة أنّ انحصار المنافسة بين حزبين أدى إلى أنّ "وجهات نظر شرائح كبيرة للغاية من الجمهور الأمريكي لم يكن يجري التعبير عنها أبداً" والنتيجة وفقاً لغريبر، أنّ "الشيء الوحيد الذي يوحّد كل الأمريكيين غير المنتمين إلى الطبقة السياسية، من يمين أو يسار، تقريباً هو النفور من السياسيين".
وبالنظر إلى عدد المرات التي فاز بها الحزب الجمهوري على الديمقراطي نجد أنّ غالبية الشعب الأمريكي ينجذبون للخطاب الديني أكثر من استجابتهم للخطاب الاقتصادي والتنموي الذي يمثله إلى حد ما الحزب الديمقراطي. ويمكن من خلال مسار الانتخابات منذ نيكسون وحتى دونالد ترامب استشراف مستقبل العلمانية والدين في أمريكا.
حزبان أم حزب واحد؟
شكّلت انتخابات 2008 بين أوباما وجون ماكين نقطة تحول في السياسة الأمريكية؛ فقد توقّع الكثيرون نوعاً من التحول الجذري في النظام، لذلك دعم كثير من الشباب المرشح الديمقراطي أوباما ففاز بنسبة 68 في المائة، وشهد ذلك العام سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الكونغرس، وفوز رئيس ديمقراطي اُنتُخب بناء على برنامج يقوم على "التغيير" ووصل إلى السلطة في لحظة تأزم اقتصادي بلغ فيه الغضب الشعبي على النخب التمويلية درجة من الشدة جعلت من الممكن أن يؤيد معظم الأمريكيين أي سياسة جذرية لتغيير النظام.
غالبية الشعب الأمريكي ينجذبون للخطاب الديني أكثر من استجابتهم للخطاب الاقتصادي والتنموي
لكن يمكن اعتبار فترة حكم أوباما الأولى شاهداً على زوال الفروقات الجوهرية بين الحزبين؛ فقد كشفت سياسات أوباما المحافظة على أنّه لا يختلف كثيراً عن خصومه الجمهوريين المشار إليهم بكلمة "محافظ" كدلالة على "الراديكالية اليمينية"، فقد أعاد أوباما كلمة "محافظ" لمعناها الحرفي القديم والتي تعني "الشخص الذي يكون دافعه السياسي الرئيسي حماية الوضع القائم والحفاظ على المؤسسات القائمة"، فكل ما فعله أوباما هو إدخال تعديلات ثانوية على ممارساتها، "ولم يكن موقف أوباما هنا معاكساً فقط، بل أكثر محافظة من موقف جورج دبليو بوش"، فعلى سبيل المثال، كانت إدارة بوش قد "وافقت، وهي تتأهب للرحيل، تحت ضغط من النائب الديمقراطي بارني فرانك، على أن يتضمن برنامج الإغاثة للأصول المأزومة (TARP) تخفيضات في قيم الرهون، بشرط موافقة أوباما" لكن أوباما، بحسب غريبر، اختار عدم الموافقة.
اقرأ أيضاً: قمة ترامب وكيم.. هل من نتائج؟
يذهب غريبر إلى أنّه في الوقت الذي فاز فيه أوباما "كان الحزب الجمهوري قوة مستنفدة ومهانة، ولم يتمكن من استعادة قواه إلا لأنّ إدارة أوباما رفضت تأمين بديل أيديولوجي وتبنت، بدلاً من ذلك، معظم المواقف الاقتصادية للحزب الجمهوري"، ومع حلول العام الثالث من ولاية أوباما الأولى بلغ الغضب والكراهية ضد الرئيس مبلغا استثنائياً، "وقد تكرر اتهامه بالتدليس والكذب، وبأنه عضو سري في الحزب الجمهوري تقَصَّد تفويت كل فرصة سنحت له للتحول التقدمي، تحت دعوى الحل الوسط بين الحزبين"، وهو ما أدى إلى زيادة سيطرة وول ستريت على العملية السياسية، وساءت سمعة التقدميين عند معظم الناخبين، وأدركت أعداد كبيرة من الأمريكيين أنّ التحول التقدمي عبر الوسائل الانتخابية والمؤسسية غير ممكن، وبهذا يكون أوباما قد سلبهم الأمل في التغيير الذي وعدهم به.
اقرأ أيضاً: ما حقيقة إقالة ترامب؟
يقول غريبر إنّ تخلِّي أوباما عن وعود التغيير يذكرنا بوعود أندرو جاكسون، أول مرشح رئاسي يطرح نفسه كديمقراطي، لكن اتضح فيما بعد أنّ استخدام جاكسون لمصطلح "الديمقراطية" لم يكن سوى تسويق سياسي بلغة اليوم، أو خدعة ماكرة، "في وقت كانت فيه كلمة الديمقراطية جديدة وسرعان ما صارت موضة كل المرشحين السياسيين عن كل الأحزاب".
الحرب الثقافية بين الحزبين
شرع نيكسون في إعادة مسار السياسة الأمريكية، فعمد في حملته الانتخابية إلى استقطاب أصوات اليمين المحافظ التي تجنبها بشكل كبير كل من سبقه في الحكم، ويؤكد غريبر أنّه "بذلك أسهم في وضع حد للنظام العلماني، وروّج لفهم رجعي للتقليد المسيحي وتدّخل بشكل فعال في أوجه الجدل الدينية لأمريكا عن طريق استخدام منصب رئيس الجمهورية ومؤسسات أخرى بالدولة الحديثة.. وبذلك أضفى شرعية على كل من المسيحية المحافظة والقومية المحدودة لليمين المتطرف." وهو الأمر الذي مهد الطريق لرئاسة رونالد ريغان وجورد دبليو بوش اللذان اعتمدا على نهج نيكسون في الاستقطاب الديني وشق جمهور الناخبين على أُسس ثقافية بدلاً من أُسس اقتصادية. ومن هذا المنطلق، وبحسب غريبر "استحضر ريغان الأفكار والرموز المتعلقة بالديانة المسيحية الأصولية والوطنية الأمريكية".
يمكن اعتبار فترة حكم أوباما الأولى شاهداً على زوال الفروقات الجوهرية بين الحزبين
والصراع بين الحزبين بمثابة حرب ثقافية يعتمد فيها الحزب الجمهوري على خاصية محورية واستراتيجية تقوم على "وصم الأفكار والأعراف الليبرالية بأنها مضللة ولا أخلاقية، ووصفت المفاهيم الليبرالية للدين والمجتمع بأنها زائفة من الناحية الثقافية"، وفق غريبر، وقد لاقت الرؤية العلمانية للنظام الاجتماعي معارضة شديدة من قبل المسيحيين المحافظين الذين شعروا بأنّ العلمانية تشكل تهديداً لحياة الأمة وأنّ الدين هو الأساس للنزاهة الأخلاقية.
على سبيل المثال شنّ بارتيك بيوكانن، المساعد السابق لنيكسون، هجوماً على كلينتون وصرّح بأنّ ما يجري بمنزلة حرب قائلاً: "إنّ هذه الانتخابات أكبر بكثير من فكرة من الذي سيفوز بها، فهي معنية بهويتنا وما نؤمن به، إنّها تتعلق بما نرمز إليه كشعب أمريكي، هناك حرب دينية دائرة داخل وطننا من أجل روح أمريكا، إنّها حرب ثقافية حول نوع الأمة التي سنكون عليها يوماً من الأيام تضاهي في أهميتها الحرب الباردة".
اقرأ أيضاً: ترامب يهدّد الأوروبيين.. بماذا؟
هذه الحرب الثقافية دفعت بالحزب الجمهوري لاستخدام كافة الوسائل لتشويه خصمه الديمقراطي، من هنا يمكن فهم قضية بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي وربطها بسجال الحرب بين الثقافتين وإظهار الحزب الديمقراطي بصورة لاأخلاقية، ومن تلك الوسائل تصوير مايكل دوكاكيس، المرشح الديمقراطي أمام بوش الأب، بأنّه "غير أصيل من الناحية الثقافية.. وأنه غير وطني". كما اتهم المرشح الجمهوري بوش الأب المرشح الديمقراطي بيل كلينتون بأنّه "داعم لقوى التساهل الليبرالية" التي أسهمت في تردي القيم الأخلاقية والاجتماعية، وقد وصف دان كويل، نائب الرئيس بوش الأب، الحملة الانتخابية للعام 1992 بأنّها "حرب ثقافة بين أولئك الذين يؤيدون القيم الأسرية التقليدية ونخب ثقافية تشوه سمعة الأسرة والله والوطن".
مستقبل العلمانية والدين في أمريكا
هذه السياسة للحزب الجمهوري أدّت إلى نجاح مبدئي في تحقيق أغلبية دائمة وسيطرة للحزب على البيت الأبيض وكلا المجلسين النيابيين بالكونغرس في عهد بوش الابن، لكن كان لها عواقب وخيمة وتجاوزات خطيرة وخلقت شقاقات اجتماعية، والخلاصة أنّ نتائج فوز الحزبين منذ 1968 تكشف عن انقسام الشعب الأمريكي بين ثقافتين يمينية وليبرالية، ولفسخ العلاقة بين السياسة والمال والدين ثمة خياران: تصويت أغلبية الأمريكيين لحزب بديل ثالث يؤمن بهذا الحل، وهو أمر مستبعد في ظل سلطة الإعلام وصناعة الرأي العام التي تروج لحزبين رئيسيين، مما يجعل الخيار الثوري الآخر قائماً وهذا ما يمكن أن تمهّد له حركة "احتلوا وول ستريت".

الكاتب: رياض حمادي / كاتب يمني
نقلاً عن موقع حفريات
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *