مقالات أعجبتني
المنطقة العازلة: هل يدعو الإخوان المسلمون أردوغان لتمزيق شمال سوريا؟
أصدرت جماعة الإخوان في
سوريا، أول من أمس، بياناً، خلاصته توجيه الدعوة إلى الرئيس التركي رجب
طيب أردوغان كي "يسيطر على المنطقة الآمنة شمالي سوريا"، مدعين أنّها لن
تستقر أبداً دون رعاية أردوغان، ما دامت "رهناً للصراع بين الفرقاء"، على
حد تعبير البيان.
تغاضت جماعة الإخوان في بيانها عن مساعي تركيا في تتريك المناطق السورية التي تسيطر عليها
وأكدت الجماعة أنّ واجباً إنسانياً يتحمله الرئيس التركي في السيطرة على
المنطقة الآمنة، حتى لا تقع بين أيدي الفرقاء الداعين إلى تقسيم سوريا والمتصارعين
على أرضها. ويبدو البيان، في مجمله، مجموعة توسلاتٍ من الإخوان لتركيا
حتى تحفظ الأمن في تلك المنطقة، غير أنّ تركيا ذاتها، وهي شريكٌ آخر في
الحرب التي دامت لسنوات في سوريا، تحمل تطلعات لمصالحها، لم يخفها الإخوان
في بيانهم الأخير، بل دعوا تركيا لحفظ مصالحها كذلك من خلال المنطقة
الآمنة، في خطوةٍ لضمان مصالح معينة لهم غالباً، وليس حفاظاً على سلامة
سوريا!
دعوةٌ انفصالية
بعد التغيرات في الوضع السوري منذ مطلع العام 2019، تحدثت دولٌ عديدة عن إقامة منطقة آمنة شمال سوريا،
خصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي المزمع من سوريا، وتصدرت تركيا هذه الأحاديث
والدعوات، بصفتها طامعة كبيرة باقتطاع مساحة من سوريا تمتد حتى شمالي
الفرات، وهي أطماع واضحة منذ العام 2014. ومع تجدد الدعوات لإقامة هذه
المنطقة، خرجت جماعة الإخوان السوريين مؤخراً ببيان دعمٍ لتركيا.
العبارات بالبيان تضم بعض الحقائق، لولا أنها تنتزع السياسة التركية من سياق الأحداث متناسيةً دور أنقرة بإشعال وتغذية الحرب
وفي البيان، الذي أطلقته الجماعة، تسود لغة من التوسل للقيادة التركية بالسيطرة على المنطقة الآمنة من خلال جملٍ غير سياسية بل
عاطفيةٍ غالباً مثل: "إنّ المنطقة الآمنة لن تكون آمنة، إلا إذا أشعرت
المستضعف والخائف بالأمن والاستقرار والسكينة.. فلن يأمن السوري في ظل
رعاية أسدية وهو خرج من بلدته ومسقط رأسه هرباً من الكيماوي والبراميلي،
ولن يشعر بالأمن في ظل الروسي الذي جعل من الأرض السورية مختبراً لتجريب
أسلحته الاستراتيجية، ولن يأمن في ظل المطالبين بثارات الحسين من لحوم
النساء والأطفال".
ولعل هذه العبارات في البيان، تضم بعض الحقائق، لولا أنّها تنتزع السياسة التركية من سياق الأحداث، متناسيةً دورها التحريضي في إشعال وتغذية الحرب في سوريا منذ العام 2011. كما تغاضت الجماعة عن مساعي تركيا في تتريك المناطق السورية التي تسيطر عليها، وتجاهلت مقتل مئات السوريين من قبل حرس الحدود التركي خلال سنوات الحرب. ولا يغيب عن السياق، أنّ تركيا تطالب منذ أعوامٍ بإقامة منطقةٍ عازلة تكون تحت سيطرتها، لكن ليس كما يريدها الإخوان، حسب بيانهم "حاميةً للأطفال والنساء السوريين"، إنما من أجل "إحكام سيطرة القوات التركية على المنطقة الممتدة بين جرابلس والراعي، وعلى عفرين، وهي مناطق احتلتها تركيا شمال سوريا منذ العام 2017". وفقاً لتقريرٍ نشرته "الحرة" في أيار (مايو) 2018.
ولعل هذه العبارات في البيان، تضم بعض الحقائق، لولا أنّها تنتزع السياسة التركية من سياق الأحداث، متناسيةً دورها التحريضي في إشعال وتغذية الحرب في سوريا منذ العام 2011. كما تغاضت الجماعة عن مساعي تركيا في تتريك المناطق السورية التي تسيطر عليها، وتجاهلت مقتل مئات السوريين من قبل حرس الحدود التركي خلال سنوات الحرب. ولا يغيب عن السياق، أنّ تركيا تطالب منذ أعوامٍ بإقامة منطقةٍ عازلة تكون تحت سيطرتها، لكن ليس كما يريدها الإخوان، حسب بيانهم "حاميةً للأطفال والنساء السوريين"، إنما من أجل "إحكام سيطرة القوات التركية على المنطقة الممتدة بين جرابلس والراعي، وعلى عفرين، وهي مناطق احتلتها تركيا شمال سوريا منذ العام 2017". وفقاً لتقريرٍ نشرته "الحرة" في أيار (مايو) 2018.
ويضيف التقرير ذاته، أنّ جماعة الإخوان في سوريا تتنصل عموماً، من تهمٍ عديدة تسوقها المعارضة السورية لتركيا
وسياستها تجاه سوريا، وتحوم هذه التهم حول "الدور التركي الأساسي في مسار
مؤتمر أستانا حيث توجد شكوك كبيرة حول أهدافه، خصوصاً مع ما يقال عن أنّ
تركيا تستطيع التعايش مع النفوذ الإيراني في سوريا ومع بقاء حكم الأسد،
ولكنها لا تستطيع أبداً القبول بوجود إدارة ذاتية كردية على حدودها". إضافةً إلى تهم أخرى بأنّ تركيا "عقدت صفقات مع الروس لتسليم شرقي حلب والغوطة ومناطق أخرى للنظام في وقتٍ سابق".
لكن خطوة الإخوان الأخيرة، بإصدار البيان، ربما يمكن تبريرها على أنّها استباقية، في حال حصلت تحركاتٌ عسكرية تركية
جديدة في المنطقة العازلة بشمال سوريا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ربما
تحاول الجماعة الحفاظ على مقعدها بجانب حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي في
تركيا، بحيث تحافظ على الدعم المقدم لها، من خلال الولاء المطلق والتبرير
المطلق لسياسات الحزب ورئيسه أردوغان، مهما كلف الثمن، حتى لو كان ذلك
يتمثل بدعواتٍ انفصاليةٍ تتمثل بحكمٍ تركيٍ في الشمال، يبدأ بمنطقةٍ عازلة،
ويضمن للإخوان لاحقاً، لقمةً من أرض سوريا ربما.
سوريا أم أجندة تركيا
هل يستطيع إخوان سوريا تحديد أولوياتهم؟ هذا سؤالٌ مطروحٌ منذ اندلاع الأزمة السورية في
العام 2011، وطالما ابتعد الإخوان عن مصالح وطنهم من أجل الأجندة التركية
وسياسات حزبها الحاكم، فلم يمض يومان أو ثلاث على قول أردوغان إنّه "من
الضروري أن تتولى تركيا إدارة المنطقة الآمنة، حتى لا يسمح بأي خطرٍ ضد
حدود تركيا" وفق تقريرٍ لصحيفة "الشرق" في 27 شباط (فبراير) الماضي، حتى
اندفع الإخوان للتبرير ودعم ما قاله أردوغان.
وفي السياق ذاته، ووفق تقريرٍ نشره موقع "عثمانلي" بتاريخ 25 شباط (فبراير) الماضي، يقول الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي
السوري صالح مسلم، إنّ تركيا حاولت "نقل السلطة في سوريا إلى جماعة
الإخوان، ولما فشلت أشاعت الفوضى في البلاد... والآن توجد نوايا واضحة
لاحتلالٍ مباشرٍ لشمال سوريا". وكان تقريرٌ آخر نشرته قناة "الميادين" في
21 شباط (فبراير) 2019، أشار بصورةٍ غير مباشرة إلى أنّ الإخوان في سوريا
"لا يمثلون معارضةً حقيقية، إنما ينضوون تحت جناج تركيا التي تحاول تثبيت
وجودها غير المشروع من خلال منطقةٍ آمنة شمال سوريا" كما أنّ مدينة إدلب
التي تعاني الأمرين حالياً، ربما تستخدم كحصان كروادة من أجل تبرير تحركاتٍ
عسكريةٍ تركية داخل
الأراضي السورية. وهو ما يقود إلى أنّ جماعة الإخوان السوريين تقوم بمهمةٍ
أساسيةٍ واحدةٍ فقط، وهي شرعنة ما تفعله تركيا تجاه سوريا، متذرعةً بالنظام
السوري كتغطيةٍ لما يجري من احتلالٍ على الأرض.
يبدو أنّ الجماعة التي فشلت في حكم سوريا بعد "مجزرة ربيعية" دامت عدة أعوام، لا يدركون أنّ خطراً يحيق بمناطق شمال سوريا إن سيطرت دولة واحدة كتركيا عليها، ولم توضع تحت إشراف دولي مؤقت مثلاً؛ إذ ربما تتحول هذه السيطرة إلى احتلال مباشر، وهو ما يهمله الإخوان الذين ينددون بروسيا وأحياناً أمريكا، وينسون تركيا، حليفة هاتين الدولتين، والتي لا تختلف عنهما بشيء تجاه سوريا، فلماذا يتوسل الإخوان في خطابهم أردوغان؟ ألا يدركون ما ورد آنفاً من معلومات وحقائق؟!
بلى هم يعرفون، وربما أكثر من ذلك، لكن معرفتهم لا تؤهلهم سوى للبحث عن المصالح والسلطة، مهما كلف الثمن، ولو كان ذلك جزءاً من وطنهم سوريا.
الكاتب: نور الدين العربي
نقلاً عن حفريات