مقالات
اشكال المقاومة وتحقيق الأهداف الوطنية
بقلم : عطا أبو رزق
من
جديد يعود الحديث والجدل حول ظاهرة اطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وتتشعب
أراء ووجهات نظر التنظيمات والمسئولين حول هذا الأمر في شتى الاتجاهات، دون
أن يستقر الرأي إلى أي سبيل نهتدي، فيما هو أكثر جدوى وأكثر نفعاً لقضيتنا
ولمشروعنا الوطني؟. ونشعر بأن ما يطرحه المسئولون عبر وسائل الإعلام المختلفة من انتقادات لهذا الشكل أو ذاك ليس نتاج مراجعة جادة وصادقة داخل تنظيماتهم حول هذه الوسيلة وغيرها من الوسائل الكفاحية، ومدى جدواها ومنفعتها لإيصالنا إلى غاياتنا الوطنية في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها حسب القرار 194.
ولمشروعنا الوطني؟. ونشعر بأن ما يطرحه المسئولون عبر وسائل الإعلام المختلفة من انتقادات لهذا الشكل أو ذاك ليس نتاج مراجعة جادة وصادقة داخل تنظيماتهم حول هذه الوسيلة وغيرها من الوسائل الكفاحية، ومدى جدواها ومنفعتها لإيصالنا إلى غاياتنا الوطنية في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها حسب القرار 194.
إن
تجليات هذا الأمر كانت واضحة أشد الوضوح في موقف حركة حماس حيث ورد على
لسان أحد أبرز قادتها الدكتور محمود الزهار في تصريح له لقناة العالم
الاخبارية قبل أيام بأن اطلاق الصواريخ عمل مشبوه ويخدم العدو الاسرائيلي،
الذي يهدف لحرف نظر العالم عما يفعلة في الأراضي المحتلة، وكذلك الأمر في
رد الدكتور رباح مهنا من الجبهة الشعبية على تصريحات الزهار الأنفة الذكر
والتي اعتبرها مهنا بأنها مضرة بالمقاومة وبحق الفلسطينين في مقاومة
الاحتلال بكل الاشكال، واستطرد السيد رباح مهنا قائلاً بأن هناك العديد من
التنظيمات ومن بينها حماس التي أقامت الدنيا ولم تقعدها ضد تصريحات ابو
مازن والتي وصفها (أي الصواريخ) بالعبثية، وأن حماس لم تستطع الموائمة بين
برنامج المقاومة والممانعة وتمسكها بكرسي الحكم والسلطة .
إن
هذه التصريحات وهذه الردود تشير كما اسلفت سابقاً بأن المواقف التي يصدرها
المسئولين الفلسطينين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو الفكرية في هذا
الشأن لا تنم عن قناعات ترسخت لديهم بعد مراجعات نقدية داخلية جادة، بقدر
ما هي إلا مواقف تكتيكية لخدمة موقف التنظيم أو الحزب في وقت ما ولظرف ما،
ولم يكن الهدف من إيراد تصريحات الزهار ورد مهنا عليها إلا للتأكيد على أن
حالة السجال والجدل في الساحة الفلسطينية حول الوسائل والاساليب النضالية
ممتد على طول العمر الكفاحي لشعبنا الفلسطيني الذي تجاوز الثمانين عاماً،
دون أن نصل إلى قناعات وقواسم مشتركة بين جميع قوى العمل السياسي والوطني
في هذا الشأن. فهل قدرنا نحن الفلسطينين أن نبقى مشتتين ليس في بلدان
العالم فقط بل حتى في الموقف الواحد والموحد تجاه أهدافنا الوطنية وحول
الألية والوسيلة التي تحقق أهدافنا؟.
منذ
أن احتلت اسرائيل فلسطين في العام 1948م، وشعبنا يدفع ثمناً باهضاً دون
مقابل يتناسب مع هذا الثمن حتى في حده الأدني، ولم نحقق من أهدافنا الوطنية
شيء يذكر، واتسمت أعمالنا الكفاحية والنضالية بالارتجالية وردات الفعل
الغير مدروسة والغير مبرمجة أو مخطط لها، وغالباً ما تكون مصحوبة بالتهويل
الإعلامي من قبل بعض وسائل الإعلام العربية والغير عربية وذلك بغرض تعزيز
الوهم لدينا بأن ما تم فعله حقق هدفه وحظي بصدى إعلامي قوي، وبكل تأكيد
الهدف الخفي من وراء هذا التهويل يحتوي على خبث خفي لمروجيه، وزد على ذلك
حملة المزايدات ما بين تنظيم وأخر، على أنه صاحب العمليات الأكثر، ومفجر
الشرارة الأولى والطلقة الأولى ... الخ. إضافة لذلك براعتنا في كيل
الاتهامات لبعضنا البعض إلى أن وصلت حد التكفير والتخوين وما إلى ذلك من
ألفاظ واتهامات، واصدار الفتاوى التي تجيز قتل الأخ لأخيه وذلك فقط لكونهما
مختلفين في الأسلوب والمنهج وليسوا مختلفين على الهدف، دون أن يكون هناك
مراعاة للقول الشائع بأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. لقد بات
واضحاً لكل مواطن عادي بان حالة التصارع ما بين التنظيمات الفلسطينية ليست
صراعاً أو تنافساً لمن يقدم خدمة أكثر للوطن والمواطن وللمشروع الوطني، بل
هو تصارعاً على كرسي الزعامة والحكم والأمتيازات، وبالتالي توظف كل
الامكانيات من قبل الممولين الدوليين لهذه التنظيمات طالما أن هذا التصارع
وهذا الانقسام بين الأخوة والاشقاء يحقق غاياتهم وتطلعاتهم الأقليمية
البعيدة كل البعد عن الهدف الوطني، وعليه فإن المستفيد الوحيد من ذلك هو
الاحتلال المنهمك في تنفيذ خططه الاستيطانية، وفي تغير المعالم الجغرافية
في القدس والضفة الغربية، وفرض وقائع جديد على الأرض تحول دون قيام دولتنا
الفلسطينية القابلة للحياة، واستمراره في سعيه الدؤوب للحيلولة دون أن
يتوصل الأخوة والاشقاء إلى اتفاق ينهي حالة الانقسام.
لم
تستجب الكثير من الفصائل الفلسطينية والتشكيلات العسكرية التي نشات خلال
انتفاضة الاقصى ومن ضمنها حركة حماس قبل سيطرتها على قطاع غزة بالقوة إلى
كل الدعوات التي كانت تدعوا لوقف ظاهرة إطلاق الصواريخ لعدم جدواها ولجلبها
المزيد من الدمار لشعبنا، كما أنها لم تستجب سابقاً لدعوة وقف العمليات
الانتحارية ضد المدنيين الاسرائيلين لما تجلبه من استعداء لقضيتنا من كل
القوى المؤيدة لحق شعبنا في اسرائيل والعالم، ورفضها أن تعقد السلطة
والرئيس أبو مازن هدنه مع الاحتلال مقابل وقف استهداف الاحتلال لمناضلينا
ولقصف مناطقنا، واعتبرت أن كل من يقترب من المقاومة ويعمل على تقيدها خائن،
لكن هذا الحال أختلف الأن في غزة بعد سيطرة حماس عليه حيث فرضت على نفسها
قبل الأخرين هدنه غير معلنة مع الاحتلال وبدون مقابل، وأصبح من يطلق
الصواريخ من غزة خائن وعميل .. الخ، وفي ذات السياق تهاجم السلطة في رام
الله وتتهمها بانها تمنع المقاومة وتعتقل المقاوميين، ولم تتورع عن تحريض
عناصرها في الضفة بمواجهة افراد الأمن والشرطة في حال أن أقدم الاخيرين على
اعتقال أي من عناصرهم لأي سبب كان، فما كان محرماً على السلطة والرئيس أبو
مازن أصبح حلالاً لحماس وحكومتها، وفي هذا المقام أود التأكيد بأنني ليس
ضد ما تقوم به حماس من منع مطلقي الصواريخ من اطلاق الصواريخ، وذلك لقناعتي
الراسخة وأعتقد قناعات قطاعات واسعة من شعبنا بعدم جدوى هذه الصورايخ التي
لم تحرر لنا سنتمتراً واحداً من أرضنا المحتلة، وما هو مطلوب من حماس حتى
تكون مقنعة في توجهاتها هو الخروج من شرنقة رفض شكل من اشكال المقاومة
وقبول أخر بناءً على حسابات تنظيمية خاصة بحركتها لوحدها وليس لاعتبارات
وطنية تهم الكل الوطني. كما تقوم اليوم برفض قيام منظمة التحرير الفلسطينية
بإجراء المفاوضات الغير المباشرة، لأنها مازالت تعتبر أن منظمة التحرير لا
تمثل الكل الفلسطيني وهي بحاجة إلى إصلاح، وإذا ما أصلحت المنظمة حسبما
تريد وبعدما تضمن بأنها صاحبة القول الفصل فيها ستكون المفاوضات المباشرة
والغير مباشرة جائزة وضرورة تمليها المصلحة الوطنية العليا.
هناك
ثلاث قضايا أساسية يجب وضعهما في عين الاعتبار إذا ما عقد المؤتمر الوطني
الشامل الذي دعت إليه منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية، والذي
يجب أن لا يقتصر هذا المؤتمر على مناقشة ما تتعرض له القدس من اجراءات
تهويد واستيطان، بل على هذا المؤتمر أن يوحد الرؤى ويحدد الاستراتيجيات
التي يجب العمل وفقها لكي ننجز أهدافنا الوطنية كاملة وعلى اساس أن الكل
شريك في هذا الوطن . أولى هذه القضايا هو التوافق على الشكل والوسيلة
الكفاحية التي تتلائم مع قدرات شعبنا الذاتية وتحقق له أهدافه، وفي اعتقادي
بأن اسلوب المقاومة الشعبية المستخدمة في انتفاضة 1987م، التي كان لها
الفضل في إعادة الاعتبار لقضيتنا بعد أن كاد أن يطويها النسيان، والتي اعيد
استخدامها في مقاومة جدار الفصل العنصري الذي تقيمة اسرائيل على أراضي
الضفة الفلسطينية خصوصاً في قرى نعلين وبلعين والمعصرة، والتي أمتدت لتشمل
المناطق الحدودية لقطاع غزة لمواجهة الحزام الأمني الذي تقيمة اسرائيل
ويلتهم ما يقرب من 20% من الأراضي الزراعية للقطاع.
القضية
الثانية هو أن النتائج التي تحققها المقاومة الشعبية تأتي عبر تراكم الفعل
الكفاحي الشعبي، وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت وطول النفس، وعليه يترتب
على القيادات الفلسطينية أن تبحث عن كل ما يعزز صمود الانسان الفلسطيني على
أرضه وأن تحترم كرامة هذا الإنسان كي يبقى قادراً على التواصل الدائم في
العطاء والصمود، وأن يتعزز لديه الاحساس بأن ما سيدفعة من ثمن مهما كان هذا
الثمن فإن له مقابله من المكتسبات التي تعود على وطنه وشعبه .
القضية
الثالثة والأهم هو لبناء وصياغة توجهات استراتيجية لمواجهة الاحتلال نحتاج
إلى وحدة وطنية متينة وراسخة وقائمة على أساس الشراكة الحقيقية في اتخاذ
القرار عبر مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، والقبول عن
إيمان وقناعات راسخة بمبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صندوق الانتخاب، لهذا
فنحن بحاجة إلى ترسيخ هذه المفاهيم في هذا المؤتمر الوطني، لذلك لا بد من
أنهاء الانقسام وتوقيع حماس على ورقة المصالحة المصرية التي تشكل مدخلاً
لكي يكون هذا المؤتمر ناجحاً بكل المقاييس .