جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

أبحاث

الدين/الماركسية من اجل منظور جديد للعلاقة نحو أفق بلا إرهاب - الجزء الرابع



    محمد الحنفي
 



    عمومية المنهج و خصوصية التطبيق الماركسي (1) :
    و انطلاقا من مقاربتنا تلك سنجد أنفسنا مباشرة أمام طرح إشكالية المنهج الماركسي للنقاش حتى نصل إلى خلاصات
تمكننا من الوقوف على حقيقة المنهج الماركسي في عموميته، و خصوصيته في نفس الوقت محددين مفهوم العمومية، و مفهوم الخصوصية و مفهوم المنهج. و هل المنهج الماركسي منهج تاريخي؟ أم انه منهج متجدد ؟ و هل هو منهج عمومي ؟ أم منهج خصوصي ؟ و ما هي عوامل عمومية المنهج الماركسي ؟ و ما هي عوامل خصوصيته ؟ و هل تقوم علاقة بين عمومية المنهج الماركسي و خصوصيته ؟ و هل يمكن قيام منهج ماركسي مغربي أو
جزائري أو سعودي أو إيراني ؟ و لماذا تكون إمكانية اختلاف المنهج الماركسي من بلد إلى آخر واردة ؟ و لماذا تكون إمكانية وحدة المنهج مع اختلاف الخصوصية ؟ و كيف يتعامل المنهج الماركسي مع الديانات القائمة في بلد معين ؟ و كيف يتعامل مع الثقافات المتنوعة و المختلفة في بلد معين ؟ و كيف يتعامل مع الأحزاب السياسية القائمة في بلد معين ؟ و هل يعجز المنهج الماركسي أمام شيوع اعتماد منهج ديني معين ؟ و هل يقوم بمواجهة هذا المنهج ؟ هل ينفيه ؟ هل يمتنع المنهج الماركسي عن التعامل مع المنهج الديني ؟ هل من الخصوصية التخلي عن المنهج الماركسي ؟ و هل من علمية المنهج الماركسي القبول بالواقع كما هو ؟ و لماذا نجد بعض الماركسيين يتخلون عن المنهج الماركسي و يعتنقون المنهج الديني ؟ هل يعني ذلك أن المنهج الماركسي اصبح متجاوزا ؟ هل يعني أن المنهج الديني صار فعلا صالحا لكل زمان ومكان ؟ أليس قصور المنهج الماركسي تعبيرا عن قصور الماركسيين عن مواكبة نتائج التطور العلمي و التقني ؟ أليس تعبيرا عن عجز الماركسيين عن جعل الماركسية تستفيد من كل ذلك ؟ و ما العمل من اجل تجديد المنهج الماركسي و جعله قادرا على تجاوز كل السلبيات التي طالته ؟
    و قبل قيامنا بمناقشة هذه الأسئلة التي تفرضها إشكالية المنهج الماركسي، يجدر بنا أن نذكر باستنتاج نسبية الدين و تاريخيته، بسبب اختلافه من بلد إلى آخر، و من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى. كما وقفنا على ذلك من خلال هذه المعالجة، لأنه لا يوجد في الواقع دين واحد، بل هناك قائمة من الأديان التي اختلفت أماكن و زمن ظهورها، كما اختلف تأويلها من فرد إلى فرد آخر، و من مكان إلى مكان آخر، و من زمن إلى زمن آخر، بسبب اختلاف الشروط الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي يعيشها الناس من عصر إلى آخر، و من بلد آخر. مما يؤدي إلى إفرازات مختلفة تتجسد في اختلاف الأديان، أو في اختلاف التأويلات الإيديولوجية لتلك الأديان، و هو ما يمكن اعتباره حجة كافية على نسبية الأديان.
    و نفس ما قلناه في الأديان نقوله أيضا في الماركسية، إذ منذ ظهرت الماركسية، و منذ وفاة ماركس، و التأويلات الماركسية تتوالى، بسبب اختلاف الشروط الموضوعية التي يعيشها الماركسيون من مرحلة إلى أخرى و من بلد إلى آخر، و بسبب اختلاف درجة استيعاب القوانين العلمية التي اكتشفتها الماركسية، و اختلاف درجة توظيفها، و درجة استفادتها من نتائج العلم و التقنيات المتطورة باستمرار، و هو ما يوحي بأنه لا توجد ماركسية واحدة بل هناك ماركسيات مختلفة جملة و تفصيلا و هو ما يؤكد نسبية الماركسية.
    فنسبية الدين و نسبية الماركسية واقعان قائمان لا يمكن التنكر لهما، و لا يمكن إغفالهما. و لذلك فإن هذه النسبية هي المدخل للقول بتطور الفكر الديني، و تطور الفكر الماركسي، إلا أن هذا التطور يختلف باختلاف الشروط القائمة في الواقع.
    فإذا كانت هذه الشروط في خدمة تطور التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية إلى الأحسن، كان تطور الفكر الديني و الفكر الماركسي في الاتجاه الذي يجعل الدين وسيلة تنويرية، و يجعل الماركسية وسيلة أمينة للتحليل الملموس للواقع الملموس وصولا إلى نتائج إيجابية في اتجاه التسريح بتحول تلك التشكيلة إلى الأفضل.
    أما إذا كانت الشروط تعرف تراجعا إلى الوراء، فإن ذلك التراجع يصيب الفكر الديني الذي يغرق في الغيبية و الظلامية و يعمل على إقبار عوامل التطور، و القضاء عليها باسم إحياء التراث، و إعادة الاعتبار للدين بمفهومه المتخلف و المؤدلج و تتحول عملية الإحياء إلى مجموعة من الإيديولوجيات المختلفة المغرقة في التطرف و الظلامية، و الهادفة إلى فرض أشكال مختلفة من الاستبداد، كما يصيب الفكر الماركسي الذي يصير مجرد مقولات جامدة، و بدل أن يصير عامل تطور، يصير عامل تخلف اقتصادي، و اجتماعي و ثقافي و سياسي، لتحول الفكر الماركسي إلى مجموعة من المقولات الفكرية الجاهزة، و لتحول الماركسيين إلى مجموعة من التيارات المتطرفة التي تردد تلك المقولات الماركسية الجامدة. و بدل أن تصير الماركسية عاملا من عوامل التطور، تصير مع تراجع الشروط الموضوعية إلى عامل من عوامل تخلف الفكر الماركسي الذي يصير عاجزا عن استيعاب نتائج تطور العلم و التقنيات و عن التعامل الإيجابي مع الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، مما يحول الحركة الماركسية الحقيقية إلى حركة متمركسة تدخل في صراع مع الحركة الماركسية الحقيقية مما يجعلها عاجزة، و غير قادرة على مواجهة التحديات التي تطرح عليها.
    و لذلك، فنسبية الدين و نسبية الماركسية في حالة إنضاج الشروط الموضوعية للتطور، أو في حالة تخلف تلك الشروط تصير واقعا قائما لا يمكن تجاوزه، و لا يمكن التنكر له على جميع المستويات.
    و إلى جانب نسبية الدين و نسبية الماركسية تقوم الاطلاقية في جوهر كل منهما، لا في الواقع الذي تؤكد وقائعه المختلفة نسبية كل منهما.
    فجوهر الدين أي دين، و كيفما كان، و في أي عصر ظهر و في أي مكان انتشر هو "الإيمان" بصفة عامة، الذي يعني الإقرار بوجود قوة خفية لا نستطيع إدراكها بواسطة قوة حسية تكون قابلة للتجسيد في كائنات معينة أو غير قابلة لذلك التجسيد، سواء كان الدين وثنيا أو غير وثني، و سواء كان الدين موحدا أو غير موحد و سواء كان تاريخيا أو غير تاريخي. لأن الإيمان لا يتبدل في جميع الحالات. فالذي يتبدل و يتغير بحسب الشروط الموضوعية هو موضوع الإيمان، أي القوة الباعثة عليه، و الجالبة له، و الموحية به، و التي تحول الدين إلى شيء نسبي.
    و إطلاقية الإيمان بدين معين هي التي تجعل ذلك الدين مطلقا في الزمان و في المكان. فالدين واحد و الإيمان واحد، و التطابق حاصل بين الإيمان و الدين. إلا أن التأويلات الإيديولوجية لذلك الدين تحاول أن تفرض بقوة الاستبداد التطابق بينها و بين الإيمان، بفرض وصايتها على الدين و على الإيمان بصيرورتها مالكة لمفاتيح الغيب و علمه، و وصولها إلى احتكار معرفة الله و الجلوس إلى يمينه، والتكلم باسمه، و إصدار الفتاوى التي تقوم على إقصاء الجهات المخالفة، لفرض إطلاقية التأويل الإيديولوجي الذي يصير هو الدين نفسه لدرجة أن الدين لا يمكن أن يكون إلا دينا إيديولوجيا. أما الدين المجرد من الإيديولوجية فيختفي وراء تصارع الإيديولوجيات بصيرورة كل واحدة منها مطلقة.
    و ما قلناه عن إطلاقية الدين نقوله أيضا عن إطلاقية الماركسية، فالمنهج بقوانينه الدياليكتيكية و التاريخية هو عمل مطلق في الماركسية، لأنه هو نفسه الذي يوظف في التحليل الملموس للواقع الملموس منذ وضعه ماركس إلى يومنا هذا، و هو هو نفسه المنهج الذي يعتمده الماركسيون في كل مكان و هو نفسه المنهج القابل للتطور بالاستفادة من نتائج العلوم و الآداب و الفنون و التقنيات و غيرها من الأدوات المعرفية، و من الثقافات المختلفة و من الوقائع التي تستعصى على التحليل الموضوعي.
    و إذا كان المنهج بقوانينه العلمية ثابتا، فإن التأويلات التحريفية التي تستهدفه تحاول أن تكتسب صبغة الاطلاقية. و هذه التأويلات المتجسدة في التجارب الماركسية المتعددة التي اتخذت في البداية طابعا خصوصيا. كالتجربة اللينينية و التجربة الماوية، و التجربة الفيتنامية، و التجربة الكوبية و غيرها. و التي أضافت جديدا إلى الماركسية تم توظيفها للمنهج الماركسي في اكتشافها للقوانين الخاصة بكل تجربة على حدة، صارت تنحو في اتجاه صيرورتها تجارب عامة و قوالب جاهزة للتطبيق في كل بلد مهما كانت خصوصيته، و هو ما وقف وراء ظهور ما صار يعرف باليسار المتطرف ذو الطبيعة البورجوازية الصغرى التي تستورد التجارب الجاهزة بدل استيراد المنهج القابل للتوظيف. لأن التجارب المستوردة لا يمكن أن تكون قابلة للتطبيق. و هي لذلك إنما تستورد للتشويش على العمل الماركسي الحقيقي الذي يكتفي باعتماد المنهج العام المطلق الذي لا يتبدل و لا يتغير لتحليل الواقع و اكتشاف منهجه الخاص الذي يتوضح في إطاره الطريق إلى تحقيق الاشتراكية في بلد معين.
    و هناك فرق كبير بين اعتماد التجربة الخاصة بواقع معين و العمل على تطبيقها في واقع مختلف. و بين اعتماد المنهج الاشتراكي العلمي لتحليل الواقع الخاص من اجل معرفة الطريق إلى تحقيق الاشتراكية.
    فاعتماد التجربة الخاصة بواقع معين يقود إلى التطرف الذي يقود بدوره إلى فرض الاستبداد، أما اعتماد المنهج فأهم سماته العمل على إنتاج الممارسة الديمقراطية، و العمل على تحقيق الحرية في الطريق إلى الاشتراكية، و هو ما يجعل الممارسة الاستبدادية غائبة جملة و تفصيلا.
    و لذلك نجد أن ما رأيناه في عمومية الدين و خصوصيته نراه أيضا في عمومية الماركسية و خصوصيتها.
    فعمومية الدين بجوهر الإيمان يجعله بعيدا عن الإيديولوجية، و خصوصيته تقود إلى ادلجته و تعميم الادلجة يقود إلى التطرف و الاستبداد.
    و عمومية الماركسية تقود إلى التحليل العلمي للواقع و النضال من اجل تحقيق الحرية و الديمقراطية و الاشتراكية، أما اعتماد التجارب الخاصة، و العمل على تطبيقها في واقع مختلف، فإنه يقود إلى التعميم الذي يقف بدوره وراء التطرف و الاستبداد.
    و لذلك يجب العمل على احترام جوهر عمومية الدين و تجنب اعتماد التأويلات الخصوصية التي تقف وراء كل الكوارث التي عرفها تاريخ البشرية. كما يجب العمل على احترام الاقتناع بالمنهج الماركسي (الاشتراكية العلمية) كوسيلة و كهدف، و تجنب استيراد التجارب الخاصة و العمل على تطبيقها لوقوفها هي بدورها وراء الكثير من الكوارث التي أصابت البشرية خلال القرن العشرين.
    فماذا نعني بالعمومية ؟ و ماذا نعني بالخصوصية ؟ و ماذا نعني بالمنهج ؟
    فالعمومية، صيرورة شيء معين في متناول الجميع و مرجع لكل الناس في كل زمان و مكان، و في جميع القارات وجميع الشعوب كيفما كان لونهم أو جنسهم، أو ألسنتهم، و في أي عصر عاشوا و في أي مكان يعيشون. و هذه الصيرورة تتخذ بعدا عموديا مما يجعلها تصير مرجعا و منطلقا لجميع المسؤولين في كل بلد من الأعلى إلى الأدنى، و بعدا أفقيا مما يجعلها مرجعا لجميع الناس مهما كان مستواهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و مهما كانت الشروط الذاتية و الموضوعية التي يعيشونها و في أي زمان عاشوا، و في أي مكان يعيشون، لأن العام لا يستثني أحدا من التأثر به أو التأثير فيه حتى يكتسب صيغة العمومية التي تفيد معنى الامتداد إلى كل زمان و مكان حتى تصير قادرة على التأثير في كل شيء، و على التأثر بكل شيء أيضا. فالاستبداد و التفاعل سمتان للعمومية على المستوى العمودي و على المستوى الأفقي.
    و بالنسبة للخصوصية، فإننا نعني بها مجموع الخصائص المميزة لشيء، أو لبلد، أو لشعب معين مما يجعل أسلوب التعامل مع ذلك الشيء، أو ذلك البلد، أو ذلك الشعب يختلف بحسب ما تقتضيه الخصائص المميزة له.
    و لذلك فالمنهج الماركسي العام عندما يتعامل مع واقع معين لابد أن يعتبر تلك الخصائص، و أن يستحضرها في التحليل حتى يبني عليها النتائج التي يجب أن تتناسب مع ذلك التحليل و مع الواقع في نفس الوقت أي أن تكون نتائج علمية يمكن التعامل معها انطلاقا من واقع معين على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية حتى يمكن تحويل ذلك الواقع إلى الأحسن. و العمل على الاستفادة من تجربة التغيير إذا تمت لصالح العلم الماركسي الإنساني، و لصالح المنهج الماركسي.
    و عدم استحضار خصوصية التاريخ و المكان و الزمان و المجتمع و الطبيعة في التعامل مع واقع معين، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى إفلاس المنهج المعتمد في التحليل، مما يؤدي إلى تراكم الأخطاء التي لا يمكن أن تقود إلا إلى إغراق الواقع في التخلف. فالخصوصية يجب أن تبقى حاضرة في جميع مستوياتها في أي تعامل مع أي واقع.
    و نجاح المنهج الماركسي لا يحصل إلا باعتماد الخصوصية التي تميز مختلف الشعوب في تحليل واقع تلك الشعوب من اجل الوصول إلى معرفة ما يجب عمله لصالح كل شعب على حدة، و عدم التدقيق في تحليل الخصوصية قد يقود إلى نتائج إذا تم اعتمادها في منهج العمل ستؤدي إلى نتائج عكسية، و هو ما يعني ضرورة التدقيق في المنهج.
    و المنهج باعتباره مجموع القوانين التي تحكم طريقة معينة في البحث و في العمل من اجل التعرف على واقع معين لابد أن يتحدد في إطاره ما هي القوانين المعتمدة في التحليل ؟ و ما هي المنطلقات؟ و ما هي مكونات الواقع المستهدف بالتحليل ؟ و ما هي النتائج التي يقتضي منهج التحليل التوصل إليها؟ و ما هي الغاية من تلك النتائج؟
    و لذلك فالمنهج هو مجموع الخطوات المرسومة اعتمادا على قوانين علمية معينة من اجل البحث في موضوع معين، أو التعامل مع ظاهرة معينة، أو واقع معين سعيا إلى تحقيق نتائج معينة تصلح للاعتماد في تغيير تلك الظاهرة أو ذلك الواقع.
    و الخطوات المرسومة يجب أن تتجدد بناء على القوانين العلمية المعتمدة في التحليل. و بناء على ما يقتضيه الموضوع أو الظاهرة أو الواقع المستهدف حتى يكون العمل إيجابيا، و منتجا، و فاعلا في الواقع في نفس الوقت.
    و لذلك فالمنهج العلمي الصحيح المعتمد في تحليل أي واقع و كيفما كان هذا الواقع، وفي أي مكان أو زمان، لابد أن يأخذ بعدا عموميا باستناده إلى القوانين العلمية أو المعتبرة من وجهة نظر معينة علمية، و بعدا خصوصيا باعتماده الخصائص المميزة لموضوع معين، أو لظاهرة معينة، أو لواقع معين. و هذان البعدان يكملان بعضهما البعض مما يؤدي من جهة إلى جعل التحليل قادرا على إدراك الواقع إدراكا علميا دقيقا يقود إلى امتلاك نظرية عنه، تكون مرشدا للعمل في التعامل مع ذلك الواقع على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية، من اجل العمل على تغييره تغييرا شموليا و بالطرق التي يقتضيها التحليل نفسه، و يقتضيها الواقع نفسه.
    فطابع العمومية و الخصوصية التي تميز المنهج العلمي الدقيق هو الذي يجعله صالحا لكل زمان و مكان كما يقولون لأنه لو كان خاصا افتقد القدرة على أن يصير علميا. و لذلك كانت ضرورة الجمع بين العمومية و الخصوصية. عمومية القوانين المعتمدة في المنهج، و خصوصية الواقع التي يجب أن توظف في التحليل حتى يكون هذا المنهج علميا فعلا، و أي فصل بينهما لا يمكن أن يكون إلا تعسفيا لا يمكن أن يؤدي بالضرورة إلا إلى افتقاد العلمية.
    و انطلاقا من هذا الاستنتاج الذي توصلنا إليه يمكن طرح السؤال : هل المنهج الماركسي منهج تاريخي ؟
    إننا بطرحنا لهذا السؤال، إنما نسعى إلى إزالة اللبس الذي يلاحق الماركسية و المنهج الماركسي، فيما يخص نسبية المنهج و اطلاقيته. فهناك من يتعامل مع المنهج الماركسي على انه نسبي. و بالتالي، فقد كان هذا المنهج صالحا في زمن معين، و في مكان معين، و انه استنفذ دوره في الزمان و في المكان المحددين. و بالتالي، فإن هذا المنهج لا يصير صالحا في أزمنة و أمكنة أخرى. و لذلك، فإن الجهات التي لازالت تعتمده في التحليل الملموس للواقع الملموس صارت متجاوزة. لأن المنهج المعتمد عندها صار في ذمة التاريخ، و هؤلاء الذين يتعاملون مع هذا المنهج، و بهذا المنطق التاريخي، إنما ينطلقون من خلفيات معينة، و يسعون إلى تقديم خدمات مثلى للجهات المستفيدة من اعتبار المنهج الماركسي منهجا تاريخيا، متجاهلين قبول هذا المنهج للاستفادة من معطيات العلوم و التقنيات الحديثة و من نتائجها لصالح تطوير قوانينه، و جعلها قادرة على التعاطي مع مختلف مستجدات الواقع. و إدراك قوانينه المتجددة التي يتم توظيفها في التعامل مع ذلك الواقع. و هذا التجاهل ليس عفويا كما قد يعتقد بعض الناس، بل هو مقصود لكونه يساهم في تكريس نسبية و تاريخية المنهج الماركسي الذي يترتب عنه كون ذلك المنهج صار في ذمة التاريخ كما يقولون.
    و لذلك فاعتبار المنهج الماركسي منهجا تاريخيا هو عمل يسعى إلى اعتبار الماركسية لم تعد صالحة، و أنها كذلك من وجهة نظر الطبقات الممارسة لاستغلال الكادحين، هذه الطبقات التي تعتبر وصولها إلى امتلاك أدوات السيطرة الطبقية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و أداة الدولة بكل مؤسساتها القمعية التنفيذية و التشريعية و القضائية هو نهاية التاريخ، و هي مقولة بورجوازية رأسمالية متخلفة ابتدعها منظروا هذه البورجوازية مع البدايات الأولى للإعداد لسيطرة عولمة اقتصاد السوق على المستوى العالمي لإزالة إمكانية التفكير في عولمة اعتماد المنهج الماركسي. و معلوم أن المناهج المعتمدة من قبل منظري البورجوازية و الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت يدها على الكرة الأرضية و تسعى إلى إيجاد مبرر للسيطرة على العالم، هي مناهج لا علاقة لها لا بالعلمية، و لا بما له علاقة بالعلمية. و انطلاقا من هذا المعطى، فإن القول بأن النظام الرأسمالي هو نهاية التاريخ هو قول يفتقر إلى العلمية، و إلى الأسس العلمية، ليصير مجرد مقولة إيديولوجية تهدف إلى تضليل الكادحين و جعلهم يقبلون بالسيطرة على العالم من قبل زعيمة الرأسمالية الإمبريالية كمسلمة لا داعية لمناقشتها. و بالتالي، فكل من يقوم بمقاومة هذه السيطرة، حتى و إن كانت تلك المقاومة لا تتعارض مع النظام الرأسمالي العالمي يكون مآله، ما جرى في أفغانستان، و في العراق، و ما يمكن أن يجري في السودان و في أي مكان من العالم بدعوى محاربة الإرهاب الذي صار مقولة إيديولوجية لتبرير لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى حشر انفها في العالم.
    و هؤلاء الذين يعملون على تكريس اعتبار المنهج الماركسي "الاشتراكية العلمية" منهجا تاريخيا غير صالح للاعتماد في تحليل الواقع المختلف، و المتحول و المتغير. هم أول من يعلم أن المنهج الاشتراكي العلمي الماركسي، هو المنهج العلمي الواحد و الوحيد الذي يصلح للاعتماد في التحليل العلمي للواقع في جميع الأزمنة و جميع الأمكنة، لقابليته الاستفادة من معطيات العلم الحديث، و من نتائجه المتطورة باستمرار، و لقدرته على كشف أحابيل البورجوازية، و الرأسمالية في حركيتها الاستغلالية الساعية إلى تعطيل حركية النضال العمالي ضد الاستغلال الرأسمالي.
    و إذا كان هناك قصور، فإن هذا القصور لا يستهدف المنهج الماركسي بقدر ما يستهدف الماركسيين بالوصف لكونهم لم يتحرروا بعد من الممارسة البورجوازية الصغرى التي تدفعهم إلى تحريف المنهج الماركسي من اجل جعله وسيلة لتحقيق التطلعات البورجوازية الصغرى، أو لجعله يخدم مصالح البورجوازية الكبرى، و الرأسمالية العالمية، فيمارسون التطرف الماركسي الذي يعتبر اكثر خطرا على المنهج الاشتراكي العلمي من المنهج الرأسمالي نفسه. و لذلك نجد مقولة لينين الشهيرة "اليسارية مرض الشيوعية الطفولي" الذي جعله عنوانا لكتاب ينتقد فيه التطرف الماركسي. و قد كان المفروض أن ينكب الماركسيون على إغناء المنهج الماركسي، و العمل على تطويره على جميع المستويات العلمية و الفكرية و المنهجية، وصولا إلى جعل المنهج الماركسي منهجا تاريخيا متطورا و منتاسبا مع الزمان و المكان حتى يستطيع استيعاب مختلف التحولات، و قادرا على التعامل مع مختلف الخصوصيات حتى يصدق عليه القول بأنه صالح لكل زمان و مكان كما يقولون.
    و هذا الاستنتاج الذي توصلنا إليه في التحليل يقودنا إلى طرح السؤال : هل المنهج الماركسي منهج متجدد ؟
    إننا عندما نرتبط بقوانين المنهج الماركسي (الاشتراكية العلمية) المادية الدياليكتيكية و المادية التاريخية كما اكتشفها، و أبدعها ماركس و انجلز من خلال أبحاثهما العميقة في القرن التاسع عشر، و كما نظر لها الماركسيون الارتدكسيون بعد ذلك سنجد أن تلك القوانين هي هي تتخذ سمتين أساسيتين، السمة الأولى هي سمة الاطلاقية التي تنعدم معها النسبية و التاريخية مما يجعلها تصلح للتوظيف كما هي لمعالجة جميع المواضيع و تحليل جميع الظواهر كما هي، و التعامل مع الواقع المختلف كما هو و دون أن نأخذ بعين الاعتبار الخصائص المميزة للموضوع أو للظاهرة أو للواقع المستهدف بالتحليل و السمة الثانية هي سمة الثبات، و هو ما أطلق عليه منظروا الاشتراكية العلمية "الجمود العقائدي"، أو "الوثوقية" التي لا تعني إلا بقاء تلك القوانين كما هي، لا كما يجب أن تكون، و معلوم ما جرته الاطلاقية و الثبات على الماركسية من كوارث في محطات تاريخية متعددة. و لازالت الحركة العمالية و سائر الكادحين في جميع أنحاء العالم يؤدون ضريبة تلك الانتكاسات التي لا حدود لها على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
    فاعتبار قوانين الاشتراكية العلمية كقوانين للمنهج الماركسي مطلقة و ثابتة يحولها فعلا إلى عقيدة لا تختلف في جوهرها عن سائر الديانات التي تقوم على المنهج الإيماني باعتباره منهجا مثاليا مطلقا و ثابتا لا يتغير بتغير الزمان و المكان، و لا يتطور بتطور العلوم و الآداب و الفنون. فالمنهج الماركسي الارتوذكسي يصير منهجا إيمانيا مثاليا لا يستفيد من تطور العلوم و التقنيات كما هو الشأن بالنسبة للمنهج الإيماني.
    و أي منهج يتسم بالاطلاقية و الثبات، و كيفما كان هذا المنهج، و سواء كان إيمانيا أو ماركسيا أو ارتوذكسيا، لا يمكن أن يقود إلا إلى تكريس الاستبداد أو فرضه في الواقع عندما يصل مستعملو المنهج المطلق و الثابت إلى امتلاك السلطة عن طريق امتلاك أداة السيطرة الطبقية، لأن هؤلاء يكونون إما يمينا متطرفا، و إما يسارا متطرفا.
    فاليمين المتطرف الذي يوظف المنهج الإيماني المطلق و الثابت باعتباره قالبا جاهزا و جامدا يسعى إلى إدخال البشرية إليه من اجل نمذجتهم، و صياغتهم حسب ما يقتضيه المنهج الإيماني المتطرف من قولبة للفكر و الممارسة و مظاهر الحياة العامة و الخاصة، و فرض تلك القولبة بواسطة الممارسة الاستبدادية التي تفرضها طبيعة المنهج الإيماني المتطرف.
    و اليسار المتطرف بدوره يوظف المنهج الماركسي المطلق و الثابت، باعتباره هو بدوره قالبا جاهزا يسعى اليسار المتطرف إلى فرضه بالقوة عندما يتم وصوله إلى السيطرة على أداة السيطرة الطبقية و فرض إدخال الشعوب إلى ذلك القالب الجاهز من اجل نمذجتها و جعلها و بواسطة الممارسة الاستبدادية صيغا تتناسب مع طبيعة المنهج الماركسي المطلق و الثابت.
    و حسب هذا المنطق الذي اتبعناه في التحليل للإجابة على السؤال الذي طرحناه نجد أن المنهج الماركسي هو منهج مطلق و ثابت، و المطلق و الثابت لا يرتبط لا بالزمان و لا بالمكان، انه صالح لكل زمان و مكان.
    أما إذا اعتمدنا منطق كون القوانين العلمية ليست مطلقة، و ليست جامدة، مما يجعلها مفتوحة على الاستفادة من مستجدات العلوم و التقنيات، و على الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي و على مختلف الخصوصيات، مما يجعل المنهج الماركسي (الاشتراكية العلمية) متطورا، و متجددا باستمرار، أي منهجا تاريخيا باعتبار ما كان عليه، و واقعيا، باعتبار ما يصير إليه بتفاعله مع مناهج العلوم، و مع نتائج البحث العلمي و التقنيات.
    و المنهج المتطور و المتجدد لا يمكن أن يكون إلا منهجا علميا صحيحا، لأنه يتعاطى مع المناهج العلمية و التقنية من جهة، و مع نتائج البحث العلمي و التقني، و مع معطيات الواقع العيني، و خصوصيات ذلك الواقع على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
    و بهذا التعاطي المزدوج يتخلى المنهج الماركسي عن بعض المقولات التي تصير تاريخية و يتبنى مقولات تقتضيها مستجدات البحث العلمي، و خصوصيات الواقع المختلف ليصير واقعيا.
    و بذلك نصل إلى أن جوهر المنهج الماركسي مطلق و ثابت كما ذكرنا ذلك في مكان آخر من هذه المعالجة، و لكنه بحكم استفادته من المناهج العلمية و التقنية، و من نتائج البحث العلمي و التقني، و من خصوصيات الواقع يصير منهجا متجددا باستمرار، و الجمع بين الاطلاقية و الثبات، و التجدد في نفس المنهج هو الذي يعطي للمنهج الماركسي خاصيته المميزة له، و يجنبه أن يصير منهجا لتكريس الاستبداد أو فرضه عندما تصير الحركة الماركسية مالكة أداة السيطرة الطبقية.
    و هذه الخلاصة هي التي تدفعنا إلى طرح السؤال : ألا يتناقض كون المنهج الماركسي متجددا مع كونه منهجا عموميا ؟
    إن تجدد المنهج الماركسي بانفتاحه على العلوم و على مناهج البحث العلمي في جميع المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية و في مجالات العلوم الدقيقة و التقنيات المتطورة، لا يمنع من استمرارية عمومية المنهج التي تتحقق بقيام المنهج المادي الدياليكتيكي، و المادي التاريخي، و انطلاقا من كون منطلقات المنهج مادية صرفة، و هذه المادية لا يمكن اعتبارها إلا مبدءا عاما إلى جانب القوانين. لأنها هي هي لا تتبدل و لا تتغير، فالذي يتبدل و يتغير التدقيق في المنهج الذي يرتبط بالتدقيق في المقولات المنهجية التي تخص عصرا معينا، أو مكانا معينا، لأن تلك المقولات تفتقد قيمتها المنهجية بتغير الزمان و تغير المكان. أما المنطلقات، و القوانين و المقولات الماركسية، فتبقى هي هي، لا تفقد قيمتها، و لا تصير خاصة. و بالتالي، فإن تجدد المنهج الماركسي لا يفقده عموميته بقدر ما يدعم تلك العمومية، و يكرسها.
    و على العكس من ذلك، فعمومية المنهج تعتبر خير مبرر للبحث عن مستجدات العلوم المختلفة، و مناهج البحث المختلفة، و نتائج البحث العلمي و التقني في العلوم و التقنيات الدقيقة من اجل الاستفادة منها من أجل أن يصير المنهج الماركسي قادرا على استيعاب ما يجري في العالم، و القدرة على التعامل مع مختلف الخصوصيات مهما كانت مغرقة في التخلف من اجل إدراك القوانين المتحكمة فيها، و العمل على توظيف تلك القوانين من اجل تطويره إلى الأحسن، حتى تكتسب العمومية شرعيتها، و قوة استمرارها.
    و كون العمومية حاضرة في التجدد يدفعنا إلى طرح سؤال آخر يقتضيه السياق، و هو : ألا يمكن اعتبار المنهج الماركسي منهجا خصوصيا ؟
    لقد سبق أن أشرنا إلى أن المنهج الماركسي بعموميته لابد أن يستحضر في التحليل العلمي لواقع معين،و لابد أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات ذلك الواقع، و إلا فإنه سوف يفتقر إلى العلمية وسيصل إلى نتائج معروفة مسبقا تكون منقولة عن واقع مختلف. و بالتالي فإن استحضار الخصوصية في التحليل ينقل المنهج الماركسي من مستوى العام إلى المستوى الخاص. و بناء على هذا المعطى يمكن القول بأن التحليل العلمي للواقع الخاص باستحضار السمات التاريخية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية يحول المنهج الماركسي العام إلى منهج ماركسي خاص، مما يجعل المنهج الماركسي يؤدي دوره في الوصول إلى امتلاك نظرية عن الواقع العيني تكون مرشدا للتعامل مع ذلك الواقع من اجل الوصول الى التغيير المنشود، كما حصل في روسيا، و في الصين، و في كوبا، و في الفيتنام، و في كوريا الشمالية، و في كل مكان تحققت فيه الثورة الاشتراكية، لأنه في تحليل واقع كل بلد من هذه البلدان التي تحققت فيها الاشتراكية في مراحل تاريخية معينة تم استحضار السمات الخصوصية في التحليل، و في رسم خطط العمل، و في النضال من اجل الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
    و إذا كان هناك من انحراف معين في التحليل العلمي لذلك الواقع فلأنه لم يتم التدقيق في تحديد السمات الخصوصية، أو أنه تم تطبيق القوالب الجاهزة على ذلك الواقع المختلف، و في الحالتين معا، فإن المنهج الماركسي سوف يخطئ التحليل العلمي، و سوف تكون نتائج التحليل عكسية.
    و لذلك فاعتماد الخصوصية لا يعني أبدا الالتزام بالعلمية، لأن المنهج الماركسي قد يكون محرفا، أو أن التدقيق في الخصائص لم يكن واردا منذ البداية، أو أن الموظف للخصوصية يوظف حالة التنافي بين الواقع العيني و بين المنهج الماركسي حتى يتم استبعاده. و الواقع أن حالة التنافي غير قائمة أبدا بين المنهج الماركسي العام و بين أي واقع مادام يأخذ بعين الاعتبار الخصائص المميزة لذلك الواقع، و بالتدقيق المطلوب حتى تكون النتائج إيجابية، و حتى يكون المنهج الماركسي العام فاعلا في مختلف الخصوصيات التي تنزع إلى العمومية في النتائج التي قد تتشابه بسبب وحدة المنهج العام رغم اختلاف خصوصية الواقع.
    و انطلاقا مما رأيناه نجد أن المنهج الماركسي العام يمكن أن يصير منهجا ماركسيا خاصا بواقع معين إذا تم تجنب تحريف المنهج الماركسي العام، و تم التدقيق في سمات خصوصية الواقع المستهدف.
    فما هي عوامل عمومية المنهج الماركسي ؟
    إن أية ظاهرة من الظواهر لابد أن تأتي نتيجة لانضاج مجموعة من العوامل التي يمكن أن تساعد على إقرار الظاهرة المناسبة، و عمومية المنهج الماركسي كظاهرة قائمة في الواقع، لا يمكن أن تكون إلا إفرازا لمجموعة من العوامل المتوفرة و القائمة في الواقع التاريخي و العيني. و من هذه العوامل نجد :
    1) كون المنهج الماركسي جاء نتيجة لصراع مرير بين المادية و المثالية منذ عهد الإغريق الى مجيء ماركس و انجلز في القرن التاسع عشر. فالمثالية كانت تحرص باستمرار على الاستبداد بالواقع نظرا لعجز العقل البشري عن توظيف الوقائع المادية القائمة فيه، بلجوئها إلى تفسير كل شيء بوقوف قوة غيبية وراء وجوده إلى أن تطور الفكر البشري، و تبلورت الطبقات الاجتماعية في إطار تشكيلة اقتصادية اجتماعية مناسبة لتقعيد مناهج التفكير و بلورتها انطلاقا مما تقتضيه المصالح الطبقية التي تطورت بدورها لتصير مصالح طبقات متماسكة لمواجهة متطلبات السيطرة على وسائل الإنتاج، و على أدوات السيطرة الطبقية. فتبلور لذلك المنهج المثالي الذي تم اعتماده من قبل مؤسسي الماركسية و نقضه لتأسيس المنهج العلمي المادي الماركسي الذي سيبقى صالحا – لعلميته- إلى ما لا نهاية مادامت البشرية قائمة.
    2) كون هذا المنهج قائما على أسس مادية صرفة، فهو مناهض للمثالية كيفما كان نوعها، و مهما كان مصدرها. فالأسس المادية لا تكون إلا دامغة لأنها قائمة في الواقع، والانطلاق من تلك الأسس لا يكون إلا علميا، و ما يمكن استنتاجه من توظيف المنطلقات المادية لا يمكن أن يكون إلا نتائج علمية. و لذلك كانت العلاقة بين المنهج الماركسي و العلوم الطبيعية و سائر العلوم الدقيقة علاقة جدلية نظرا لاشتغالها على ما هو مادي صرف، و لاعتمادها على مناهج علمية دقيقة، و لانطلاقها من الأسس المادية الصرفة، و لكونها تتوصل إلى نتائج علمية غير قابلة للتكذيب. لأن الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا علمية، و الحقيقة الماركسية بقدر ما هي حقيقة تاريخية فهي أيضا حقيقة علمية في حينها، و في مرحلتها. نظرا لتغير و تحول المنطلقات المادية التي تشتغل عليها العلوم الدقيقة و العلم الماركسي في نفس الوقت.
    3) قيام العلم الماركسي على قوانين علمية معينة أسوة بالقوانين العلمية الطبيعية. و تلك القوانين هي التي تجعل المنهج الماركسي قائما في الواقع، و في نفس الوقت مستمرا في الوجود، و قابلا للتوظيف في أي مكان من الكرة الأرضية. لأن القوانين العلمية هي هي، لا يمكن نقضها أو إبطالها، أو تجاوزها. و إذا كان في الإمكان تعطيل تفيعلها في مراحل معينة. فإن ذلك لا يكون إلا مؤقتا، و رهينا بوضعية الحركة القائمة في الواقع التي قد تكون في مستوى المواجهات، و قادرة على فرض تفعيل المنهج الماركسي، أو قد تكون دون المستوى المطلوب فتساهم في تعطيل المنهج الماركسي.
    4) قابلية المنهج الماركسي للاستفادة من مناهج البحث العلمي، و من نتائج ذلك البحث الذي يجرى على المستوى العالمي، و على المستوى المحلي، و في مختلف مراكز البحث العلمي، و خاصة في العلوم الدقيقة لاحتياجه لذلك من اجل تطوير نفسه حتى يصير قادرا على التعامل مع مختلف الظواهر الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية المتحولة باستمرار من اجل اكتشاف القوانين المتحكمة في ذلك التحول. و بالدقة المطلوبة، و حتى يقوم المنهج بإعادة صياغة مفاهيم الماركسية المتحولة بدورها باستمرار لاستفادتها من مناهج البحث العلمي، و من نتائج ذلك البحث حتى تساير التطور القائم في الواقع.
    5) قابلية المنهج الماركسي للتعامل مع مختلف الخصوصيات مهما كانت مغرقة في الاستعصاء على التعامل المنهجي الماركسي. لأن الماركسية إذا لم تكن كذلك تفقد قدرتها على الاستمرار و على التعامل مع الواقع. و بالتالي فإن الحديث عن المنهج الماركسي يصير من باب الفضول. و لذلك نجد أن على الماركسيين أن يحرصوا على تفعيل المنهج الماركسي و جعله قادرا على التعامل مع مختلف الخصوصيات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و الوصول إلى نتائج تساهم في إغناء المنهج الماركسي من جهة، و في رفع مستوى وعي الناس بواقعهم من جهة ثانية، و في تعبئتهم لخوض النضال من اجل تغيير واقعهم من جهة ثالثة.
    6) قابلية النتائج التي تتوصل إليها الماركسية في التعامل مع كل خصوصية على حدة. لأن تصير نتائج عامة يمكن اعتمادها كإضافة جديدة للماركسية، و كدليل على صلاحية الماركسية للتعامل مع مختلف الخصوصيات، و هو ما يمكن اعتباره دفعة قوية للماركسية و المنهج الماركسي، و الماركسيين في نفس الوقت، من اجل بناء صرح الماركسية على المستوى العالمي ،لأنه في بنية كل قانون خاص، إضافة جديدة للقانون العام. و تلك الإضافة ستبقى قائمة في الماركسية، ما دامت الماركسية فاعلة في الواقع و متفاعلة معه.
    و بهذه العوامل مجتمعة تتكرس عمومية المنهج الماركسي الذي لا يستعصى عليه شيء في التحليل مهما كان هذا الشيء، و سواء كان إيجابيا أو سلبيا، قويا أو ضعيفا متقدما أو متخلفا، تقدميا أو رجعيا. و ما ذلك إلا لأن هذا المنهج الماركسي يكتسب من العلمية، و يتطور باستفادته من مختلف مناهج البحث العلمي في العلوم الدقيقة بصفة خاصة، و من النتائج التي يتوصل إليها البحث العلمي في جميع الميادين.
    فهل تعني البرهنة على عمومية المنهج الماركسي إلغاءا الخصوصية ؟
    إن دعاة الخصوصية المعادين للمنهج الماركسي، و للماركسية و للماركسيين، و للحركة الماركسية يدعون أن اعتماد المنهج الماركسي (الاشتراكية العلمية) هو إلغاء للخصوصية و تعسف عليها، و دعوة صريحة إلى عدم الأخذ بها خدمة لتطلعات البورجوازية الصغرى، و للتحالف الإقطاعي البورجوازي في البلدان ذات الأنظمة التابعة، و للبورجوازية على المستوى العالمي، و للمؤسسات المالية الدولية، و للشركات العابرة للقارات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تأكيد المحافظة على مختلف الخصوصيات. فكأن الماركسية مجرد مبيد للخصوصيات، و الواقع أن المنهج الماركسي باستحضاره لمختلف الخصوصيات عن طريق اعتبار السمات المميزة لكل خصوصية على حدة، إنما تعمل على كشف أساليب الاستغلال المتبعة في كل بلد يحمل خصوصية طبقية معينة ، وجعل الذين يمارس عليهم ذلك الاستغلال ، يقاومونه بالاساليب العلمية الدقيقة التي تجعلهم قادرين على وضع حد له. و لذلك فعداء هؤلاء إنما هو عداء طبقي موجه ضد الذين يمارس عليهم الاستغلال الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و الثقافي، حتى لا يأخذوا بالمنهج الماركسي الذي يجعل وعيهم بذلك الاستغلال متطورا و متقدما، و يجعلهم يدركون أساليب المقاومة الدقيقة، و يمارسون الصراع الطبقي الهادف إلى تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. أما المنهج الماركسي، فلم يكن في يوم من الأيام لاغيا للخصوصية، و مجحفا في حقها، و عاملا على إقبارها، إنه يستحضرها، و يؤكد عليها، و يعتبرها وسيلة للعمل على فهم الواقع العيني، و إدراك قوانينه التي تساعد على العمل على تغييره.
    فما هي عوامل خصوصية تطبيق المنهج الماركسي ؟
    إن عمومية المنهج الماركسي التي أتينا على ذكرها لا تمنع من صيرورته منهجا خاصا باعتماده السمات المميزة لواقع معين مستهدف بالتحليل الماركسي، و من عوامل خصوصية المنهج الماركسي نذكر :
    1) كون المنهج الماركسي لا يمكن تطبيقه إلا في واقع خاص، فرغم عمومية المنهج الماركسي بقوانينه، و منطلقاته، و مقولاته. إلا أنه في تعامله مع واقع خاص يصير منهجا خاصا. و لذلك فأي تحليل ماركسي لواقع معين يجعل الماركسية تكتسب خصوصية ذلك الواقع التي لا تلزم واقعا آخر. فالماركسية الروسية صارت ماركسية لينينية و الماركسية الصينية صارت ماركسية ماوية، و هكذا في سائر التجارب الماركسية التي عرفتها البشرية في تاريخها الحديث. و كذلك التجارب التي ستعرفها مستقبلا. فالماركسيون مختلفون بحسب خصوصية التحليل التي يتبنونها، وخصوصية الواقع الذي يعيشون، و لكنهم بحسب المنهج الذي يوظفونه ينتمون جميعا إلى الماركسية.
    2) كون خصوصيات واقع معين تفرض اعتبارها في التحليل الماركسي حتى يكون علميا، و حتى يستطيع المنهج الماركسي، إدراك قوانين ذلك الواقع. و بناء نظرية متكاملة عنه على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و الاسترشاد بتلك النظرية من اجل العمل على تغير ذلك الواقع و تطويره إلى الأحسن، سواء تعلق الأمر بالعمل النقابي أو العمل الحقوقي أو العمل الثقافي أو التربوي أو حتى الترفيهي، أو تعلق الأمر بالعمل الحزبي الذي يسعى إلى الوصول إلى السلطة، و العمل على تغيير الواقع انطلاقا من تلك السلطة. فاعتبار الخصوصيات في التحليل يعتبر إبداعا ماركسيا تجب المحافظة عليه، و العمل على تفعيله حتى يصير قانونا ماركسيا قائما.
    3) عدم قابلية نتائج التحليل الماركسي لواقع معين للتطبيق في واقع مختلف، نظرا لاختلاف الخصوصيات و اختلاف النتائج الممكنة في تحليل الواقع المستهدف بالتطبيق. و لذلك كانت كل تجارب الحركات الماركسية المستوردة، عصية على التطبيق و آيلة إلى الفشل إن عاجلا أو آجلا. فالماركسيون المستوردون لنتائج التجربة السوفياتية أو الصينية أو الفيتنامية، أو الكوبية، أو الكورية الشمالية، غالبا ما يفشلون في تحقيق الثورة، و إذا وصلوا إلى السلطة، فإنهم غالبا ما يتحولون إلى مستبدين بدل أن يصيروا ديموقراطين ، وبدل أيتحولوا في ظل التواجد في السلطة إلى منتجين للممارسة الديمقراطية يتحولون إلى منتجين للاستبداد، و بدل أن يصيروا أوفياء لتوظيف السلطة لخدمة الكادحين كما تقتضي الماركسية ذلك، فإنهم يوظفون السلطة لخدمة مصالحهم الطبقية في إطار ما صار يعرف برأسمالية الدولة القائمة على مصالحهم الطبقية في إطار ما صار يعرف برأسمالية الدولة القائمة على استغلال الكادحين، و بذلك يثبت أن استيراد التجارب الماركسية لا يهدف إلا إلى تحقيق الاشتراكية في الواقع المستهدف بالتطبيق بقدر ما يهدف إلى بناء رأسمالية الدولة القائمة على استغلال الكادحين. و بذلك يثبت أن استيراد التجارب الماركسية لا يهدف إلى تحقيق الاشتراكية في الواقع المستهدف بالتطبيق بقدر ما يهدف إلى بناء رأسمالية تتخذ طابع الملكية العامة و لكنها لا تخدم إلا الأهداف الخاصة.
    و بخصوصية التطبيق المنهجي الماركسي على واقع معين و ضرورة استحضار خصوصيات ذلك الواقع في التحليل، و عدم قابلية تطبيق نتائج التحليل الماركسي على واقع مختلف تكون الخصوصية حاضرة في المنهج و في التحليل و في الواقع و هو حضور لا يمكن تجاوزه و القفز عليه إذا أردنا أن يكون التحليل علميا.
    فما طبيعة العلاقة القائمة بين عمومية المنهج الماركسي و خصوصيته ؟
    إن العلاقة بين عمومية المنهج الماركسي و خصوصيته قائمة في طبيعة العمومية و الخصوصية لأن المنهج في صيغته العامة يحمل القدرة على أن يصير خاصا، و كونه صار خاصا بتعامله مع واقع معين يصير بنتائجه العامة عموميا، لأن أي تجربة ماركسية خاصة تصير صالحة للاستفادة منها. و بالإضافة إلى هذه العلاقة التي تتخذ طابع الجدلية، نجد أن هذه العلاقة تتخذ أبعادا أخرى نذكر منها :
    1) علاقة الجزء بالكل، لأن تجربة الماركسية الخاصة بالاتحاد السوفياتي السابق أو بالصين، أو بكوبا جزء من التجربة الماركسية العامة. و لأن تجربة كل حزب ماركسي، و كل فرد ماركسي على المستوى النظري و على مستوى الممارسة هي جزء من التجربة الماركسية و إضافة لها، و أي مساهمة في إنتاج الفكر الماركسي ليست إلا جزءا من الماركسية و من المنهج الماركسي. فعلاقة الجزء بالكل هي علاقة ستبقى قائمة في التجربة العامة للمنهج الماركسي، و في التجربة الخاصة لهذا المنهج في نفس الوقت.
    2) علاقة السبب بالمسبب، لأن وجود المنهج في حد ذاته يعتبر سببا في صياغة العديد من التجارب الماركسية التي تقتضي كل تجربة منها منهجا خاصا. و لذلك، فالمنهج العام سبب في وجود منهج خاص يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الموضوع أو الظاهرة أو الواقع المستهدف بالتحليل الذي يصير سببا في قيام مناهج خاصة قامت بصياغة تجارب ماركسية خاصة.
    3) علاقة جدلية قائمة على أساس تفاعل الخاص بالعام، و الجزء بالكل، و السبب بالمسبب، لأن أي تطور في المنهج العام سينعكس إيجابا على المنهج الخاص، و كل تحول تعرفه الماركسية ككل ينعكس إيجابا أو سلبا على التجربة الخاصة كجزء ، و العكس صحيح، و كل جديد في المنهج الماركسي يقود إلى قيام الجديد في التجربة الماركسية. و إذا كانت الماركسية قائمة على وجود الجدل في الواقع، فإن الأحرى، و الأجدر أن يقوم ذلك الجدل بين مكونات المنهج الماركسي و بين التجارب الماركسية الخاصة، و بين التجربة العامة و التجارب الخاصة حتى تتجنب الماركسية أن تصير شائخة و متجاوزة، لأن الجدل يبعث على التجدد، و التطور، و التحيين القائم على استيعاب الظواهر و التجارب المختلفة و المستجدات الطارئة.
    و بذلك نصل إلى أن العلاقة القائمة بين المنهج الماركسي العام و المنهج الماركسي الخاص في مستوياتها التي أتينا على ذكر بعضها هي التي تكسب الماركسية ديناميتها التي لا تتوقف ما لم يتم تحريفها عن مسارها الصحيح، و ما لم تتحول إلى مجرد إيديولوجية لخدمة مصالح البورجوازية الصغرى التي تقوم على أساس تحريف كل شيء، و خاصة الماركسية من اجل تحقيق تطلعاتها المتمثلة في تسلقها الطبقي عن طريق خدمة مصالحها الخاصة و العامة، و خدمة مصالح الطبقات الحاكمة، و مصالح الرأسمالية العالمية.
    فهل يمكن قيام منهج ماركسي مغربي، أو جزائري، أو سعودي أو إيراني ؟
    إن الواقع المستهدف بالمنهج الماركسي لابد أن يكون حاملا لخصوصيات معينة تقتضي اعتبارها في التحليل الماركسي لذلك الواقع الحامل لتلك الخصوصيات. و لذلك فأي تحليل ماركسي لواقع معين، سيقف وراء قيام ماركسية ذات طابع خاص يتناسب مع خصوصية ذلك الواقع المستهدف بالتحليل الماركسي العام، و بالحركة الماركسية التي قامت بذلك التحليل و التي تسعى إلى امتلاك نظرية عامة عن ذلك الواقع تسترشد بها في نضالها من اجل الحرية و الديمقراطية و الاشتراكية.
    و انطلاقا من التصور العام القاضي بأسلوب التعامل مع مختلف الخصوصيات يمكننا القول بإمكانية إنتاج ماركسية محلية لا تختلف عن الماركسية على مستوى المنهج، و لا على مستوى الأهداف، بقدر ما تختلف في اعتبار استحضار الخصوصية في التحليل و في نتائج التحليل المستخلصة من ذلك الواقع و المساعدة على امتلاك نظرية عنه تطبع الماركسية بالخصوصية المحلية.
    و لذلك يمكن القول بإمكانية قيام ماركسية محلية في كل بلد من البلدان المذكورة باعتبارها :
    1) ماركسية مغربية تستهدف دراسة الواقع المغربي لمعرفة الخصوصيات التاريخية، و الواقعية، و طبيعة القوانين التي ميزت التطور التاريخي، و الواقعي، و ما هي الطبقات الاجتماعية التي عرفها تاريخ المغرب، و ما هي التشكيلات الاقتصادية و الاجتماعية التي جاءت في إطارها تلك الطبقات، و كيف انتقلت من تشكيلة اجتماعية إلى تشكيلة اجتماعية أخرى، و ما هي الثورات التي عرفها تاريخ المغرب، و ما طبيعة تلك الثورات، و على ماذا كانت تستند ؟ و ما هي النتائج التي أسفرت عنها ؟ و هل كانت ثورات شعبية ؟ أم أنها مجرد ثورات فوقية يقودها أشخاص يسعون إلى الوصول إلى السلطة ؟ و ما هي الأفكار التي كان يتبناها قادة تلك الثورات ؟ و هل هي أفكار مثالية، أم مادية ؟ و ما طبيعة الثقافات التي كان يعمل الحكام على فرضها على الشعب المغربي ؟ و هل كانت تعبر عن طموحات الشعب المغربي ؟ أم أنها كانت تهدف فقط إلى جعل الشعب المغربي مجرد شعب بئيس لا يستطيع التحلي بقيم ثقافية نقيضة للثقافة التي يعمل الحكام على إشاعتها ؟ و هل في الإمكان العمل على نقض تلك الثقافة ؟ و ما مصدر التحول الذي عرفه الواقع في المغرب ؟ هل هو الاحتلال الأجنبي ؟ هل هو تطور التشكيلة الاجتماعية المغربية ؟ أليس تدخل الاحتلال الأجنبي مناسبة لصياغة تشكيلة اجتماعية مناسبة لطبيعة الاحتلال الأجنبي ؟ أليست مخزنة المجتمع المغربي وسيلة لاعداد تشكيلة اقتصادية اجتماعية مناسبة لضمان استمرار تلك المخزنة ؟ و هل في الإمكان قيام تشكيلة اقتصادية اجتماعية بناء على التطور الطبيعي للمجتمع و دون تدخل قوى خارجية ؟ و ما هي القوانين التي اعتمدها الاحتلال الأجنبي لصياغة تشكيلة اقتصادية اجتماعية تناسبه ؟ و ما هي القوانين التي اعتمدتها المؤسسة المخزنية لإيجاد تشكيلة اقتصادية-اجتماعية تناسبها ؟ و ما هي القوانين الذاتية للمجتمع التي تعمل على إفراز تشكيلة اقتصادية/اجتماعية تستجيب لطموحات الشعب المغربي ؟ و هل عرف المجتمع المغربي في تاريخه العريق حركات نضالية معينة ؟ هل هي حركات عبودية ؟ هل هي حركات إقطاعية ؟ هل هي حركات بورجوازية ؟ و هل هي مجرد حركات دينية متطرفة تسعى إلى إرجاع المجتمع المغربي إلى الخلف، و العمل على محاصرة كل أشكال التطور التي يمكن أن تستجيب لطموحات الشعب المغربي في تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية ؟ و هل عرف المجتمع المغربي في تاريخه العريق حركات تقدمية؟ و ما طبيعتها ؟ و هل توجد من بينها حركة ماركسية معينة ؟ و ما طبيعة هذه الحركة ؟ و هل هي حركة ماركسية متطورة قائمة على أساس احترام قوانين الاشتراكية العلمية (المادية الجدلية و المادية التاريخية) أم أنها مجرد حركة لا علاقة لها بذلك بقدر ما هي حركة تقوم على أساس تحريف الماركسية سعيا إلى تحقيق تطلعات بورجوازية صغرى عن طريق ممارسة التطرف الماركسي، من اجل التشويش على الماركسيين الحقيقيين، خدمة لمصالح الطبقة الحاكمة، و المؤسسة المخزنية، و هل الماركسية القائمة هي ماركسية تعتمد التحليل الملموس للواقع الملموس اعتمادا على قوانين الاشتراكية العلمية و انطلاقا من خصوصيات الواقع من اجل الوصول إلى خلاصات علمية دقيقة يمكن اعتمادها في رسم البرنامج الذي يجب اتباعه لتحقيق الديمقراطية و الاشتراكية ؟ أم أنها ماركسية تعتمد القوالب الجاهزة و محاولة تطبيقها على الواقع المغربي ؟ و في حالة احترام القوانين الماركسية و احترام خصوصيات الواقع، و بناء الحركة الماركسية المناضلة يمكن القول بأنه يمكن قيام ماركسية مغربية، و حركة ماركسية مغربية تتناسب على مستوى النظرية، و على مستوى الممارسة مع الواقع المغربي، في خصوصيته، و تطوره من اجل تحقيق طموحات الشعب المغربي.
    و ما قلناه عن إمكانية قيام ماركسية مغربية و منهج ماركسي مغربي، يمكن قوله بالنسبة لامكانية قيام منهج ماركسي جزائري، أو سعودي، أو إيراني، أو أي واقع آخر، حتى يتبين ما يجب عمله من اجل تغيير ذلك الواقع، و هل يمكن أن تقوم حركة ماركسية رائدة لتغيير ذلك الواقع ؟
    و انطلاقا من كون إمكانية قيام منهج ماركسي خاص بكل بلد، يمكننا طرح السؤال : لماذا تكون إمكانية اختلاف المنهج الماركسي من بلد إلى آخر واردة ؟
    إن ورود إمكانية الاختلاف واردة بين واقع و آخر مسألة أساسية في المنهج الماركسي الذي يمكن اعتباره منهجا تربويا في نفس الوقت. فإذا كانت قوانين هذا المنهج عامة، فإن تطبيقها يقتضي اختيار واقع معين و دراسة ذلك الواقع، و العمل على دراسته دراسة علمية دقيقة على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار في التحليل من اجل الخروج بخلاصات مناسبة للاعتماد في صياغة ما يجب عمله في التعامل مع الواقع المعني تعاملا علميا دقيقا، على مستوى البرنامج الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي الماركسي الذي يتم اعتماده من قبل الحركة الماركسية العالمية.
    و تطبيق المنهج الماركسي في واقع مختلف، و متعدد في جميع القارات الخمس لا ينقص من قيمة عمومية المنهج الماركسي، بقدر ما يؤدي إلى إغناء ذلك المنهج الذي يصير قادرا على امتلاك الرؤيا الشاملة للواقع العام بخصوصياته المتعددة، و المختلفة التي تلعب دورا كبيرا و رائدا في تطبيق الممارسة الماركسية على مختلف الخصوصيات في جميع أنحاء العالم.
    و لذلك فاختلاف المنهج الماركسي من خصوصية لأخرى سيبقى قائما إلى أن يتم القضاء على جميع أشكال الاستغلال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و تتحقق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و يتم القضاء على الأسباب التي تقف وراء وجود الاستغلال المادي و المعنوي للبشرية في جميع أنحاء العالم، و تصير ملكية وسائل الإنتاج للكادحين، و تتحقق الاشتراكية في كل بلاد العالم، لتتحقق بذلك وحدة المنهج و وحدة الواقع. و ما يظهر في العديد من مناطق العالم من انه تراجع عن الماركسية و عن المنهج الماركسي باعتباره ظاهرة ناتجة عن القبول بالنظام الرأسمالي على أنه نهاية التاريخ كما نظر لذلك الكاتب الرأسمالي فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ، ليس إلا اختلالا في ميزان القوى لصالح الرأسمالية التي تطورت صيغها، و أشكالها، و وسائل استغلالها التي تطرح على الماركسيين العمل و البحث من اجل التسريع بتطور المنهج الماركسي العام، و العمل على تطوير المناهج الماركسية الخاصة و السعي إلى إعادة النظر في الكثير من المقولات الجاهزة التي أثبتت فشلها لكونها لا تتناسب مع الواقع المختلف الذي توظف فيه من اجل جعل المنهج الماركسي يستعيد قوته المنهجية و قدرته على التعامل مع التطور الذي صارت تعرفه الرأسمالية على المستوى العالمي، و على مستوى الدول التابعة، من اجل جعل المنهج الماركسي يستعيد قوته المنهجية و قدرته على التعامل مع التطور الذي صارت تعرفه الرأسمالية على المستوى العالمي، و على مستوى الدول التابعة، من اجل جعل الوعي الطبقي الحقيقي ينتشر من جديد بين الكادحين في جميع أنحاء العالم لضرورته لتنفيد برامج الحركات الماركسية المحلية، و برنامج الحركة الماركسية العالمية. لأنه بالوعي الطبقي وحده يستطيع الكادحون إدراك ما يمارس عليهم من استغلال و تستطيع الحركة الماركسية تنظيمهم و قيادتهم في أفق تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و القضاء على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، و تحقيق الاشتراكية بالطرق المناسبة، و بناء النظام الاشتراكي العالمي انطلاقا من بناء النظام الاشتراكي على المستوى المحلي.
    و هذا الاستنتاج الذي توصلنا إليه في تناولنا للإجابة على السؤال السابق يقودنا إلى طرح السؤال : و لماذا لا تكون إمكانية وحدة المنهج مع الاختلاف في الخصوصية ؟
    إن وحدة المنهج حاصلة في جميع الأحوال، سواء تعلق الأمر بالتحليل الماركسي العام لما يجري في العالم، أو بالتحليل الماركسي الخاص بواقع معين. فالعمومية و الخصوصية وجهان لعملة واحدة. و هذه العملة هي المنهج الماركسي بقوانينه العامة (المادية الدياليكتيكية، و المادية التاريخية) و بقوانينه الخاصة بواقع معين.
    و لذلك فوحدة المنهج متحققة في التعامل العام و في التعامل الخاص، و كل ما في الأمر أن هذا المنهج في تعامله الخاص مع مختلف أشكال الواقع يجد نفسه مضطرا لاستحضار خصوصيات ذلك الواقع سعيا إلى تحقيق الرغبة في الدقة العلمية التي تقتضيها خصوصية معينة، و التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في إغناء التجربة المنهجية الماركسية العامة، كما يمكن الاستعانة بها في حالة نجاحها لحساب تجربة منهجية ماركسية خاصة بواقع آخر.
الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *