جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

حوارات

سلامة كيلة: الرأسمالية العالمية في أزمة حقيقية واندلاع ثورات في دول أخرى سينعش الربيع العربي – الحلقة الأولى



نقلاً عن صحيفة فصل المقال

ربيع عيد
كيف تنعكس أزمة الرأسمالية العالمية علينا عربيًا؟ وهل هذا مرتبط بتحول مسار الثورات العربية التي بدأت بشكل سلمي وتحولت إلى اقتتال وحروب؟ وما هو الدرس المستفاد من تجربة اليونان؟ العديد من الأسئلة الشاغلة طرحناها على المفكر الفلسطيني الماركسي سلامة كيلة، خلال لقاء خاص معه لصحيفة "فصل المقال" في مدينة عمّان، والذي سوف ينشر على حلقتين.

*نبدأ في الوضع العالمي والدولي الاقتصادي والمتغيرات الجارية على هذا الصعيد، منذ الأزمة المالية العالميّة عام 2008 والانهيارات التي شهدناها بعد ذلك. النظام الرأسمالي إلى أين؟

واضح أن الأزمة لم تنته وعلى ضوئها عملت أمريكا على  إدارة الأزمة، وليس تجاوزها، لأنها غير ممكنة الحل، فعملت على تأخير انفجارات جديدة أو لملمة نتائجها.
الإشكال الأساسي أن الرأسمالية تعيش أزمة مستمرة لا إمكانية لحلها، إذ أصبحت الكتل المالية التي تعمل بالمضاربات هي التي تهيمن على الاقتصاد، وأصبح النشاط الإقتصادي غير إنتاجي، وغير متعلق بالاقتصاد الحقيقي، بل متعلق بالبورصة والمضاربات والمديونيّة والمشتقات الماليّة، وهي في الحقيقة بيع أوراق، ونسبة 90% من النشاط الإقتصادي العالمي يرتكز في هذا النشاط.
والسبب في ذلك هو أن الرأسمالية ليس فقط لديها فيض إنتاج، الذي يؤدي إلى أزمات، ويدفع نحو الحروب والتنافس على الأسواق لحل أزمات الشركات المنتجة للسلع، الرأسمالية لديها أيضًا فيض أرباح، إذ أن هذه الأرباح في مرحلة معينة غير قابلة للتوظيف في القطاع الصناعي الحقيقي لأنه أُشبع (زراعة تجارة إلخ) وأصبح زائدًا عن حده بكثير، وهذا يؤدي لفيض الإنتاج الفائض. هذه الأموال أصبحت تتراكم في البنوك، وكل مال في البنوك دون تحرك يموت ويأكله التضخم.

أصبحت حالة إشكال جديدة لتوظيف المال، وهذا بدأ في السبعينيات، ترافق معه أن أمريكا في الستينيات دخلت في عجز مالي بسبب نهوض الصين واليابان، فأصبحت معنية بفك علاقة الدولار بالذهب والقدرة على طباعة دولار دون حاجة لمخزون ذهب، وهذا ساعد في تراكم الدولار بشكل عال. هذه الحالات دفعت الولايات المتحدة إلى فرض نظام عالمي جديد بعد انهيار الإتحاد السوفيتي للتحكم بالعالم وتوظيف المال فيه ، لكن هذا العمليّة لم تنجح ورأينا ذلك بعد 2001 ثم احتلال العراق وأفغانستان. هذا التوظيف يؤدي إلى تضخم في القيم بشكل وهمي، ويصبح تسارع في التراكم المالي دون أساس حقيقي مما يدفع بانفجارات مثلما حصل في  أمريكا اللاتينية.
نتيجة هذا التراكم بدأت البنوك بتقديم قروض للناس بتسهيلات كبيرة، الناس بدورهم اشتروا منازل، تجلت أزمة الاقتصاد بأن  الناس باتوا غير قادرين على دفع الفوائد، البنوك حاولت أن تستعيد القروض، وتبين لها أن قيمة البيوت أقل من خمس قيمتها الحقيقية.

*هل نحن مقدمون على انهيارات عالميّة جديدة للرأسماليّة في السنوات القادمة؟

طبعا، لم يعد هناك إمكانية لاستمرار هذا الوضع بسبب التراكم المتسارع، وهذا ما أدركته الولايات المتحدة بعد أزمة عام 2008، وعلى ضوئها بدأ أوباما في استراتيجية جديدة تقتضي الانسحاب من الشرق الأوسط، ففي عام 2010 أعادت أمريكا تحديد استراتيجيتها وأعلنتها عام 2012: تغيير منظورها للعالم والهيمنة على العالم. الآن حددت الأخطار وبنت على ضوئها الأولويات، فالخطر الأساسي بالنسبة لها هو الصين، لأن الصين لم تدخل النظام العالمي كمنافس، وبهذا تضغط على الصين لرفع سعر الينّ وتحريره وليس ضبطه كما تفعل الصين الأمر الذي يجعلها خارج أزمة الرأسمالية ويسمح لها في خلق مركز بديل.
أصبحت الأولويّة للولايات المتحدة الآن هي آسيا والمحيط الهادي، وهذا أدى إلى الانسحاب من الشرق الأوسط ما عدا الخليج، الذي تعتبره جزءا من الأمن القومي للهيمنة على النفط بما فيه العراق. وأصبحت قدرتها على التدخل العسكري أضعف بما فيه تمويل الجيوش، وتوجهت في الاستراتيجيّة العسكرية نحو المحيط الهادي وآسيا، هي فقط تستخدم الطيران في العراق وأحيانا اليمن، لذلك فالتحالف الذي أقيم ضد داعش لا وجود له على الأرض. بالرغم من أن الولايات المتحدة تعمل على إعادة بناء عسكري لها في العراق، لكن دون الدخول في حرب، مثل الكويت وقطر والسعودية، وذلك بسبب مديونيتها التي أصبحت أكبر من كل دخلها القومي.
في السنوات الحاليّة والقادمة سنشهد انهيارات وانفجارات واحتجاجات شعبيّة كبيرة في عدة دول، وأي اهتزاز يجري للرأسماليّة في دول العالم، بالتأكيد سيضر بالولايات المتحدة لأن النظام المالي متشابك، وكل اهتزاز سيؤدي إلى تضرر أمريكا.

*لنتحدث عن اليونان.. جرت انتخابات وصعد حزب سيريزا اليساري وكان بارقة أمل وبداية تغيير سنشهده ويعوّل عليه، ثم جاءت قرارات الحكومة اليونانيّة بالموافقة على خطة التقشف خلافًا لما اعتقده الكثيرون، ووقع انقسام داخل حزبه واليسار، وباتت الأمور غير واضحة الآن.. ما تفسيرك لما حدث في اليونان؟ وهل دول أخرى مرشّحة لسيناريوهات مشابهة؟

المشكلة ليست اليونان، المشكلة إغراق الدول بالمديونيّة، وهذه أزمة موجودة في دول أوروبا خصوصا شرق أوروبا، هذا التراكم المالي الذي تحدثنا عنه بدأ يتوظّف في المديونيّة، وشهدنا ذلك سابقًا في المنطقة العربية عندما بدأت سياسة الخصخصة، فكان الحل المطروح هو الاستدانة تحت حجة عجز الميزانية، لكن في الواقع  هو توظيف مالي، حيث تراكمت الديون وأصبحت الميزانية تذهب لدفع فوائد الديون والدول غير قادرة سد الفوائد، فتبدأ بنهب الشعب لسد الديون، فيتحول الاقتصاد إلى نهب وليس اقتصاد حقيقي قائم على السلع وبيعها. في اليونان أصبح الحل سياسة تقشف وإفقار الناس لسد الديون. سيريزا وحزبه تشكّل من عدة أطراف وتيارات، بعضهم فوضويون وبعضهم شيوعيون وتروتسكيون ونقابيون، كان واضحا منذ البداية أن المراهنة على هذا الحزب في التغيير غير صحيح، لأن في داخله لا يوجد رؤية بديلة بل يوجد رفض لشيء تأسس لمناهضة التقشف، وهذه السياسة تجُّمع قوى أوسع إلا أنّها متناقضة في مصالحها وخياراتها، عندما أصبح التيار الليبرالي هو المهيمن وصعد نجم سيبراس وضحت الأمور أكثر، وهو الشخصيّة الأكثر يمينية في الحزب.

عند الوصول للسلطة لم يستطع  الحزب اتخاذ قرار إنهاء سياسة التقشف، واتبّاع سياسة أخرى في إلغاء الديون ومصادرة أموال كبار الرأسماليين، إلا أنهم اختاروا تحسين سياسة التقشف. دخلوا في نفس الدوامة التي دخلتها الأحزاب اليساريّة القديمة، واعتبر حزب سيريزا انتهى كيساري وسيكون انشقاقات، وهذا قد شكل إحباطا لقطاعات اليسار التي تريد شكلا جديدا لليسار الذي يلعب دورا أكثر جذريه.

*عربيًا.. كان لدينا لقاء معك في صحيفة فصل المقال قبل ثلاث سنوات حول الثورات العربيّة، وخلال الثلاث سنوات الماضية، شهدنا نقطة تحول جذريّة لكل مسار الثورات، من المسار المدني والسلمي، إلى مسار العنف والاقتتال والحروب. هل الربيع العربي انتهى؟ أو على الأقل موجته الأولى؟

لا أعتقد أنه انتهى وصعب أن ينتهي.

الثورات لم تنطلق من أجل الحرية والديمقراطية فقط. الفهم الجذري للثورات مرتبط بالتحليل الاقتصادي والطبقي.غالبية الناس الذين خرجوا للثورات لم يعودوا قادرين على العيش في هذه الأوضاع، في اللحظة التي يشعرون فيها أنهم على شفير الموت نتيجة العجز بسبب البطالة والأجور والخدمات السيئة (الصحة والتعليم الخ..)، تبدأ مرحلة الصدامية مع الدولة وإرادة التغيير، في هذه اللحظة الناس لن يجلسوا في المنازل.
نحن ما زلنا في المرحلة الأولى من الثورات، الإشكال القائم هو أن الناس يستطيعون الرفض لكن لا يستطيعون تقديم بديل، فبعد عقود من الخصخصة (خصوصًا في التعليم)،نشأ انهيار على مستوى المعرفة، شباب ليس لديه معرفة سياسية، في هذه الحالة بالضرورة ستدخل قوى أخرى تلعب لامتصاص أزمة الناس. من جهة أنت لا تستطيع أن تستمر في الوضع القائم، ومن جهة أخرى الهزة التي سببتها الثورات أدت إلى أن تضعف النظم العربيّة، وأصبحت الخيارات المفتوحة هي في كيفية مواجهة حركة الناس والشارع.

في مصر انتخب تيار، ولم يستطع أن يحل مشاكل الناس والبنية القديمة للدولة عادت من جديد من خلال قمع المجتمع ومن خلال تضخيم الإرهاب. في ليبيا واضح أن التناقضات بين القوى السياسية لم تسمح بتشكيل دولة، صراع محلي مربوط بصراع إقليمي. في اليمن رغم أن الثورة سلمية جدا وبشكل حضاري عالي، انحلت الأمور بتعيين رئيس جديد وإبعاد علي عبدالله صالح لكنه بقي مهيمنا على أجهزة الدولة وتحالف مع الحوثيين وانفتح صراع إقليمي. في سوريا واضح أن الصراع دموي منذ البداية، بسبب عنف النظام القائم الذي واجه المتظاهرين السلميين على مدار أشهر بالرصاص والقتل، وتحوّل إلى صراع إقليمي دولي، فهناك قوى أخرى لعبت على تخريب الثورة وتسليحها ودعم قوى متطرفة.
كل هذا اللعب قائم على عنصرين، الشعب عمل الثورة وأضعف الحكم، والنظم غير قادرة على الحكم بشكل حقيقي فنشأ فراغ لأن الشعب غير قادر على أن يحكم في ظل غياب بديل حقيقي، مما أدى إلى فراغ ودخول لاعبين جدد وقوى إقليميّة.
أمر إضافي، يجب أن نرى الثورات العربية في سياق الأزمة  الاقتصاديّة العالمية، بدأت الثورات بعد عامين ونصف من الأزمة في الولايات المتحدة، وما جرى لدينا مرتبط بشكل كبير بما جرى في أمريكا. كان واضحًا أن الرأسمالية وكل نظامها مهدد، لهذا عندما اندلعت الثورات وباتت متسارعة وبدأت تنتقل إلى جنوب أوروبا واليونان، هذا الأمر جعل الرأسمالية تعمل على تدمير الثورات، وما حدث في سوريا نتاج استنتاجات أنه يجب تدمير الثورة، وأن يظهر مثال للعالم يقول أن من يتمرد مصيره مصير سوريا. هذه العناصر وجدت نتيجة غياب القوى السياسية التي تستطيع أن تقود مسار الثورات بشكل صحيح وتنتصر بشكل أسرع. لكن هل ما جرى من دوامة دموية سينهي الثورات؟  كلا بل انها سوف تستمر وتعيد بناء ذاتها في ظل احتمالات اندلاع ثورات في بلاد أخرى.

*هل اندلاع  ثورات في دول أخرى سيحد من التدخل الإقليمي في الدول العربيّة وينعش الربيع العربي؟

نعم..بالرغم من الاستفراد بنا من قبل الرأسمالية، سنعود وننهض، أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا وآسيا وأفريقيا مرشحة لاندلاع ثورات، ونحن نرى أن احتمال الانفجارات قائم، وهذا الوضع يجعل الثورات العربية تستمر، سيجد العرب عونا في ثورات الدول الأخرى نحن الآن في عالم ثوري.

*الجزء الثاني من المقابلة يُنشر العدد القادم وسيتمحور حول علاقة العرب وإيران ومآل الوضع الراهن في الدول العربية وحول تنظيم الدولة الإسلامية داعش.
الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *