حوارات
سلامة كيلة : داعش ستتبخر بعد حل إقليمي في المنطقة والشباب العربي يتجه نحو القراءة - الحلقة الثانية
تنشر
صحيفة "فصل المقال" الحلقة الثانية من المقابلة مع المفكر الفلسطيني سلامة
كيلة، حول الدور الإيراني في المنطقة،
ووضع الثورات العربية (مصر وسوريا)، وتعامل إسرائيل
مع ما يجري عربيًا، والأفق المطروح في مرحلة الثورة المضادة.
فصل
المقال/ ربيع عيد
*
كيف ترى التدخلات الإيرانية في الدول العربية؟ هل هو صراع سعودي إيراني؟ أم أن القضية
أعمق؟
الصراع
في المنطقة أصبح متعددا ليس فقط السعودية وإيران، فهو يبدو وكأنه صراع سني شيعي، لكن
السؤال هو من يهيمن ويلعب دورا أساسيا. بعد الثورات العربيّة توسعت إيران في المنطقة
بهدف فرض هيمنة إقليمية والتحول لقوّة عظمى إقليميا.
السعودية
كان دورها في تراجع، كانت تشعر أن الوجود الأمريكي مهيمن وهم يلعبون في غطائهم، الأزمة
في الولايات المتحدة ساعدت في تمدد إيران مثلما حدث في العراق، في المرحلة الأولى كان
الإتفاق أن الهيمنة أميركية لكن برجالات إيران، عندما انسحبت أمريكا أخذت إيران كل
العراق. بعد الثورة في سوريا بدأوا التوسع في سوريا ثم اليمن والحوثيين. الصراع القائم
هو متعدد ليس فقط السعودية وإيران. روسيا معنية أن تكون سوريا لها، أمريكا عادت وتدخلت
تحت مسمى الحرب على الإرهاب من أجل تعديل ميزان القوى لمصلحتها في العراق، وما جري
هو الضغط على إيران كي ترجع الولايات المتحدة هي المهيمنة من خلال داعش.
في
اليمن، استشعرت السعودية الخطر مباشرة وتدخلت، السعودية حاولت تركيب تحالف "سني"
مع دول عربية وتركيا من أجل خلق توازن مع إيران يدفع أمريكا كي لا تتحالف مع إيران،
وهذا ما تطرحه الآن أمريكا كي يصبح توازنا. تركيا أيضا تريد أن يكون لديها دور في سوريا،
فبالنسبة لها سوريا هي المدخل الأساسي للطاقة
من الخليج، وحتى اقتصاديا، لذلك كانت مع النظام السوري بسبب الامتيازات التي تريد استمرارها.
وأعتقد
أن ضمن الإتفاق النووي شروط على إيران من خلال روسيا يقضي بانسحاب إيران من سوريا وتكون
سوريا لروسيا، بالتالي العرب يريدون تحجيم دور إيران. الأمريكان ومن خلال صفقة النووي
يريدون تحالفا من منظور استراتيجي مطلوب مع إيران كي تكون سدا أمام تدخل الصين لدول
الخليج، والتحالف الأمريكي مع إيران يعني استقرارا في الخليج مع دور سياسي متوافق عليه.
هذا منظور الأمريكان واستطاعوا فرض من خلال الحصار الإقتصادي الشديد الذي كاد يؤدي
لإنهيار في إيران.
*الثورة
السورية مختلفة أكثر عن الثورات العربية الأخرى، ولها خاصيتها من ناحية الزخم الثوري
وعنف النظام والتدخلات الإقليمية وكل ما بتنا نراه اليوم. هل طلب الدعم من الخارج مبرر
لإستمرار الثورة؟ هل يوجد بديل آخر أمام الناس التي تتعرض لعنف وحشي يصل حد الإبادة؟
النظام
السوري يريد خطاب أسلمة للثورة، لأن الإستراتيجية التي بناها منذ البداية كانت قائمة
على تماسك العلويين لأنه بنى منهم القوى العسكرية والأمنية الأساسية، وبالتالي إذا
تحرك الشارع العلوي فإن هذه البنى ستتفكك، لذلك عمل على إخافة العلويين لمنعهم منذ
بداية الثورة، ومنذ بدأت الثورات العربية. وإظهار الثورة إسلامية إخوانية وهّابية.
الدول الإقليمية خاصة السعودية كانت موافقة على هذا التوجه، وكان هناك تنسيق علني بين
النظام والسعودية، وبقيت الأخيرة تدعم النظام ماليا لأشهر بعد الثورة، ولهذا أطلقت
شخصا اسمه عدنان العرعور وأقامت له فضائيتين لشتم الشيعة، وأطلق وكأنه ممثل الثورة
وكان لديه فتاوى لهدر دم العلويين، والنظام بطبيعة الحال استغل هذا الأمر. هذا أدى
إلى تراكم فيما بعد من أجل أسلمة الكتائب وبالتالي تشكيل هذا الوضع القائم الآن خصوصا
أن النظام أطلق سراح الجهاديين الذين كان يسجنهم، مثل قيادات حركة أحرار الشام وجيش
الإسلام. كما أنه هو من فبرك جبهة النصرة قبل أن تخلق. في نيسان 2012 أطلق سراح آخر
دفعة وجزء منهم شكل تنظيم داعش..
*لماذا
يطلق النظام أشخاصا سيقاتلونه؟
لأنه
مخترقها ويستطيع توظيفها..
*لكنه
فقد السيطرة عليها؟
صحيح
لكن لا زالت جبهة النصرة وداعش مخترقة. النظام بحجة الحرب على الإرهاب يريد أن يكسب
الأمريكان من أجل التحالف. وهذه التنظيمات وجدت في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.
وبدأت بفرض سلطة أصولية على الناس. صفّت عددا من الحركات. داعش أخذت مخازن سلاح هائلة
من النظام. المعارك هدفها الحصول على السلاح مثل المطار في شمال سوريا سيطرت عليه داعش.
*هل
داعش هو تنظيم خُلق للعب أدوار معينة أم أنه يتعلق بخطاب إسلامي الذي نشأ بعد الوهابية؟
من
الذي أنشأه؟ ننسى ذلك..أكيد هناك بيئة متخلفة ومناطق تعيش ما قبل الحضارة من الفقر
ويخرج منها فئات معنية بهذا الشكل من الصراع.
لكن قسما كبيرا من المنضمين لداعش لا يعرفون عن الوهابية، وبعد انضمامهم تبدأ عملية
الأدلجة. الخطاب الوهابي موجود، والسعودية عملت على تعميمه منذ 1974 وتعمل على الهيمنة
في المنطقة من أجل منع نهضة قومية كما حصل بالخمسينات، ودفعت أموالا طائلة لذلك. والأنظمة
نفسها من السادات وحافظ الأسد سمحوا لها واستخدموها ضد القوى اليسارية. داعش اليوم
يُخرج مجلة "راقية" باللغة الإنكليزية تسمى" دابق" والفيديوهات
بجودة عالية تذكرنا بأفلام هوليوود، وأعتقد هذا جزء من فيلم سيصدر لاحقا.
*لكن
هناك من انضم لداعش من طبقات متوسطة ومناطق مدنيّة؟
صحيح.
هناك إشكال نفسي لدى هؤلاء من أجل الجنة، ناس تعيش ببيئة كبت جنسي شديد، ولديها حالة
مرضية وهوس جنسي. وهناك قطاع من رأس المال في الخليج يدعم ولديهم مصالح، يريدون هيمنة
على المنطقة. نشر مؤخرًا تقرير عن الكويت وعن كم الدعم الذي تأخذه جبهة النصرة.
*لكن
حتى هذه الدول يحصل فيها تفجيرات من قبل هذه التنظيمات؟
صحيح.
داعش مخترقة من قبل العديد من أجهزة المخابرات. يجب أن نرى دور إيران في الموضوع. عندما
دخلت السعودية اليمن، الأمريكان كانوا مترددين وبدأت التفجيرات في السعودية.
*لتنظيم
داعش يوجد خليفة ومبناها هرمي. رأس الهرم لأي نظام يتبع؟ ولأي مكان سيصل داعش في المنطقة
العربية؟ هل انحسرت قوته بعد التحالف الدولي؟
رأس
الهرم أبو بكر البغدادي مع الأمريكان. جزء من داعش جاؤوا من خلال شركة أمنية خاصة مثل
بلاك ووتر، هؤلاء يصدرون جريدة وصور ولديهم خبرات عسكرية بمستوى عال. أمريكا لم تفقد
السيطرة عليهم، فهذه الشركات الأمريكية تديرهم. ينتقلون من منطقة إلى منطقة، وعندما
يجري حل سياسي ستتبخر داعش. كوادرها يعودون إلى مواقعهم المربوطين فيها، أما الكوادر
"المجنونة" سيصدرون لها أن معركتنا
مثلا انتقلت إلى ليبيا ويبدأ الترحيل إلى ليبيا أو يعلنون لهم مرحلة هدوء مرحلية.
المشكلة
تكمن بأن كل القوى الإقليمية تعتقد أنها تستطيع أن تسيطر على داعش، لكن في النهاية
اللعبة بيد الأمريكان.
*يعني
إنهاء داعش لن يتم إلا عبر حل سياسي؟
أكيد.
بعد كم التدخلات الإقليمية كل المنطقة خاضعة لحل دولي. يجب موافقة أمريكا وروسيا وإيران
والسعودية وتركيا. لأن كل طرف لديه مجموعات على الأرض . الحل مربوط بالتفاهم الإقليمي
والدولي، خصوصا بعد الإتفاق النووي مع إيران الذي يفتح لإعادة ترتيب المنطقة سياسيًا
وفق تقاسم واضح. إيران يحجم دورها. دور أصغر في العراق، في اليمن سينتهي دورها. وفي
سوريا أعتقد انتهى دورها لأن الوضع يتعلق بروسيا الآن.. كما سيحجّم دور حزب الله مما
يعني المزيد من الهدوء على الجبهة الشمالية لإسرائيل.
*كيف
تلعب إسرائيل في ظل ما يجري عربيًا؟
إسرائيل
لم يكن لديها قدرات للعب. بالنسبة لسوريا تقول إن بشار الأسد أفضل لها لأن الحدود هادئة.
تحاول اختراق مجموعات، وعملت على المستوى الأمني، فكيف يعرفون أنه يوجد شحنات سلاح
لحزب الله ويقصفوها؟ إسرائيل اخترقت بنية النظام السوري وهذا مكنهم من الاغتيالات.
سياسيا
لا يريدون انهيار النظام لأنه سيخلق حالة فوضى. والوضع الإسرائيلي قلق جدًا من حالة
الفوضى في العالم العربي . الوضع غير سهل بالنسبة لهم بعد الثورات العربية، إلا أن
إسرائيل تقرأ الصورة أفضل من بعض النخب العربية لدينا. إذ تعتقد أن هذه الثورات تشبه
حالة مثل مرحلة الخمسينات مما يفرض على إسرائيل التركيز على التسلح وتنظر وتخطط للأمام
كثيرا أبعد مما نعتقد.
إسرائيل
مع الانسحاب الأمريكي من المنطقة ستضعف. يعني قدرة أمريكا على تمويل إسرائيل ستضعف.
في مرحلة انتقال نحو آسيا. قدرة إسرائيل اقتصاديًا ستضعف خصوصُا أنها بحاجة لمساعدات
خارجية دائما. وهي جزء من النظام الرأسمالي العالمي وأي هزة فيه ستضرها، آخر مرة نجحت
بالهرب لكن المرات القادمة لن يكون نفس السيناريو.
إسرائيل
في وضع قلق. الميل اليميني له علاقة بهذا القلق والتركيز على يهودية الدولة مع أنه
معترف به منذ قرار التقسيم. هناك شعور بالتفكك بالهوية اليهودية في المجتمع الإسرائيلي.
والتمييز بين يهود شرقيين وعرب وأثيويبين سيزيد. ويجب أن يفتح هذا الموضوع. اليهود
العرب عرب ويجب العمل معهم وهم ملوثون بأيدولوجية صهيونية، يجب الانفتاح عليهم، ويجب
إضعاف إسرائيل من الداخل.
*وماذا
عن فلسطين في ظل الوضع الراهن؟
الوضع
الفلسطيني محكوم بتغيرات الواقع العربي. لا يوجد حل فلسطيني لوحده. خيار أوسلو المدمر
واضح أنه ساعد إسرائيل وليس الفلسطينيين . وإسرائيل اليوم من يلعب الورق . وجود السلطة
الفلسطينية ساهم في التوسع الإستيطاني، فإسرائيل تعتبر الضفة جزءا من أرضها. غزة خارج
المعادلة وإسرائيل كانت تدفع لهذا الإنقسام.
أما
اللاجئون فمعظمهم تشردوا مثلما حصل في العراق، والنظام السوري اليوم يدك المخيمات مع
أنه في بعضها لا يوجد مسلحون، وذلك لتهجير المخيمات. مخيم خان الشيخ لا يوجد فيه مسلحون
وهذه لعبة دولية. النظام السوري بعد الحرب
على العراق منع الفلسطينيين من اللجوء لسوريا، فتم ترحيلهم إلى أمريكا اللاتينية. ممنوع
أن يكون لاجئون فلسطينيون في محيط فلسطين، يريدون إنهاء الملف. الأفق سيرتبط بالتغيرات
العربية ودون ربطه لن نصل نتيجة.
*وماذا
عن مصر.. هل يسقط حكم العسكر؟
بعد
ثورة يناير النظام يريد سحق الثورة. في المرحلة الأولى كان المنظور إدماج الإخوان في
السلطة والاستفادة من قاعدتهم وتحويلهم ضد الثورة. كقوة دفاع عن السلطة لقمع حراك الناس،
تتوجت بالهيمنة على مجلس الشعب ثم اندفعوا للرئاسة، وهنا أصبح كسر بينهم وبين قيادة
الجيش. أن يهيمنوا على مجلس الشعب والشورى والرئاسة للجيش.
هذا
زاد التناقض بين الإخوان والجيش لكن الشعب شعر بأنه لم يحقق شيئا وبدأ يتحرك ضد مرسي،
حتى قبل ما يفكر الجيش بالتحرك ضد مرسي وهذا ما حصل في الإتحادية.
النظام
المصري يطرح استراتيجية جديدة بعد صعود السيسي، وهي ممارسة عنف شديد ضد المجتمع، وأصبح
مطلوبا طرح مبرر لهذا العنف، وهم الإخوان، والدفع بالتخويف الشديد منهم ووصفهم بالإرهاب،
مما يمكنه من الإمساك بالمجتمع وإعادة دور الأجهزة الأمنية، وسن قانون منع التظاهر
الذي يمنع أي أحد من التظاهر في الشارع ويعرضه لأحكام قاسية وهذه كانت مهمة بالنسبة
للنظام لشل حركة الشارع والمظاهرات. وهذا ما حصل في آخر عامين. هيمنة على الإعلام وأسوأ
من زمن حسني مبارك. محاولة سحق أي حراك واعتقال كل الذين لعبوا دورا أساسيا في 25 يناير.
لكن
واضح أن الحراك لم يتوقف، الإضرابات العمالية واسعة والاحتجاجات العمومية وموظفي الدولة.
هناك تعتيم إعلامي لمنع الحديث عن هذا الحراك.
في
ظل هذا الميل القمعي جرت العودة لتطبيق شروط صندوق النقد الدولي مثل رفع أسعار الغاز
والكهرباء وخصخصة الصحة والتعليم. هذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة عبء على الناس
دون زيادة الأجور. زيادة الأجور كانت للشرطة والجيش، كي يستخدمهم للعنف.
هناك
حراك شعبي في كل الأحوال سيتفجر. هناك مستوى آخر يتعلق أن السيسي دخل صراع كسر عظم
مع الأخوان. كان يعتمد فيه على السعودية لأنها ضد الاخوان. إلا أن الدعم المالي لم
يأت. في نفس الوقت، السعودية قلبت موقفها من الإخوان، ومعنية أن يكون الإخوان من ضمن
النظام السياسي. هذا يخلق مشكلة في مصر. هناك قطاعات في الجيش مع هذا التوجه مع تحجيم
دور الإخوان عبر تقاسم السلطة مع يد عليا للجيش.
ما
هي المهمة الثورية في سنوات الثورة المضادة؟
الأساس
الذي كان ناقصا في الثورات، هو قوى سياسية واعية تطرح بديلا منخرطا مع الناس. هذا الإشكال
سمح أن تكون الثورة عفوية ويجري اللعب فيها. الأمور يجب أن تندفع نحو إعادة بناء فعل
سياسي معبر عن حركة الناس ويطرح بديلا طبقيا سياسيا مجتمعيا يستطيع أن يبني من جديد.
وأعتقد أن اليسار هو الوحيد الذي يستطيع ذلك.
*هل
اليسار لديه رؤية وبديل؟
اليسار
الماضي انتهى. الآن كيف يتشكل يسار يحمل هذا الموضوع. أعتقد أن تجربة 4 سنوات من الثورة
توصل إلى نتيجة أن الشباب كان دون وعي سياسي, الآن بدأوا يشعرون أن عليهم هم تطوير
وعيهم وأن يبنوا بأنفسهم. وهذه نقلة نوعية ستفتح أفقا من داخل الثورة وليس من الأحزاب
القائمة، وهذا واضح ملموس لمسته في عدد من البلدان في مصر وتونس، الميل للقراءة والتفكير
بالواقع وطرح الأسئلة والقراءة من أجل فهم الواقع وأسئلته، السؤال حول التنظيم بعد
أن اعتقدوا أن التحرك عفويا سيحدث التغيير. الحالة الآن في هذا المخاض كيف ستنشأ رؤية
جديدة، وهذا سيخرج الثورات من مأزقها وينهي حالة استغلال والفراغ واللعب والتدخل فيها.