جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

العام الجديد بين الواقع والمتوقع والمرجو

بقلم : عطا أبورزق
جرت العادة لدى شعوب العالم المتحضر أن تجري احتفالات صاخبة في كبرى ميادين عواصمها تطلق فيها الالعاب النارية وتقرع الكؤوس احتفاءاً بقدوم عام جديد، ووداع عام انتهى بما فيه من بؤس وشقاء أو خير وهناء لهذه الشعوب، متمنين أن يكون عامهم
الجديد حاملاً لهم كل الخير في كل ما يتعلق بشئون بحياتهم الشخصية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وشعوبنا العربية تحاول أن تجاري وأن تشارك شعوب العالم المتحضر فرحتها بعام جديد يحمل لها بشائر الخير، ويطرد عنها النحس الذي أصابها في أعوامها الماضية، إلا أن حالة الفقر والجوع والتخلف والقهر والظلم والاستغلال التي يعيش فيها الغالبية الساحقة من أبناء الشعب العربي لم تسمح لهم بالمشاركة ولا بالتمتع بالمشاركة في احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة. بل أنهم يبيتون ليلهم وهم يتجرعون كؤوس المرارة، وهم ينظرون إلى واقعهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المتردى، وإلى دولهم التي تتقسم وتتشظى على مرأى من قادتهم دون أن يملكوا ولو قدر بسيط من القوة ليقفوا في وجه هذا الطوفان الجارف الذي يجرف ليس الحدود فقط بل يجرف حضارة عريقة أمدت العالم في يوم ما بكل ما يخدم الانسانية من اسباب العلم والتقدم.

ماذا يحمل العام الجديد 2011 لأمتنا العربية ؟، سؤال كبير وليست بالضرورة أن نجد اجابات متتطابقة، خصوصاً أننا قد نجد من هو متفائل ومن هو متشائم أو متشائل لما قد يحمله هذا العام لوضع أمتنا العربية. لكن الواقع يتحدث عن نفسه، ولكل أمرء بعد ذلك أن يفلسفها أو يحللها كما يشاء. فواقع الأمر يقول بأننا ننزلق بسرعة كبيرة جداً باتجاه التمزق والتشرذم، الذي قد لا نشفى منه في وقت قريب، والشواهد على ذلك كثيرة، فالسودان على موعد بالانقسام في التاسع من الشهر الجاري وهو موعد إجراء الاستفتاء على الانفصال أو الوحدة ما بين الشمال والجنوب، والرئيس البشير يتعامل مع موضوع الانفصال على أنه أمر واقع، ويعد الجنوبيين بمساعدتهم في بناء دولة مستقرة، وقد يسعى لدى الجامعة العربية بإعطائهم مقعد فيها ، والجامعة العربية يبدو أنها لن تعترض على ذلك، كونها عجزت عن الوقوف في وجه مخطط تقسيم  السودان، وقد لا يكون انفصال الجنوب عن الشمال هو حالة الانقسام الوحيدة في هذا البلد العربي بل قد تتبعة انقسامات أخرى، ونظام البشير المطوق بالخوف من الاعتقال وتقديمة إلى محكمة جرائم الحرب لن يقف في وجه انقسام أخر جديد طالما بقي محافظاً على عرشه وعلى حكمه، وليس لديه أولدى حزبة والقوى المناصرة له وجلها من الاسلاميين أي رغبة في إجراء مراجعة جادة لسياستهم وسلوكهم الفاسد والذي أودى بالسودان إلى هذا المصير.

والعراق يعاني من تشظيات طائفية في داخله منذ الاحتلال الأمريكي له ورغم حكومة التوافق الذي شكلت مؤخراً وبرئاسة نور المالكي، إلا أن المتتبع لمجرى الاحداث في العراق يدرك بأن ما وضعه الحاكم العسكري الامريكي بريمر من مخطط للتقسيم ورسّمه ضمن الدستور العراقي يدرك بان تقسيم العراق إلى أقاليم مستقله ما هي إلا مسألة وقت ليس أكثر، فاقليم كردستان في شمال العراق قائم وله حكومة ومجلس وزراء خاصين به، ونواب محافظة البصرة ورئيس محافظتها يطالبون البرلمان باجراء تصويت لإعتبار البصرة إقليماً مشابها لكردستان، والصراع على منطقة كركوك الغنية بالنفط مابين حكومة كردستان وبغداد على أشدة، تحت أي سلطة ستكون هذه المنطقة. والأسواء من ذلك كله أن هناك من يطالب بإجراء استفتاء عام في العراق حول انضمامه إلى الجامعة العربية أم لا. تخيلوا إلى أي حد وصل الأمر بالعراق، وهل من الممكن أن يعود العراق موحداً سواء بدولة مركزية واحده أو ضمن وحده فيدرالية بين اقاليمة المختلفة إلى أن يكون كما كان ركناً أساسياً من اركان الصراع في المنطقة العربية في مواجهة القوى الأمبريالية والصهيونية التي تستدف المنطقة وشعوبها، وخصوصاً أن من يحكمون العراق اليوم محددة مصالحهم مسبقاً مع من تكون؟. أم أننا سنكون على موعد مع تقسيمات جديدة وانفصال جديد لمحافظات في الجنوب أو الوسط، تحقيقاً لذبح العراق من الوريد إلى الوريد تحت وهم الفدرالية التي زرعها الاحتلال.
ولبنان يخيم عليها شبح الحرب الطائفية من جديد، وحالة الجذب والاستقطاب الداخلية بين قواه المختلفة تأخذ منحنيات خطره، وعملية التسخين الخارجي للوضع الداخلي تسير بخطى ثابته ومتسارعة وذلك من خلال استخدام نتائج المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الحريري والذي من المحتمل أن يصدر القرار الظني في قضية الاغتيال هذا العام، وأن مخاطر انفصال الجنوب عن باقي مدن لبنان شبحاً يقلق كافة القوى اللبنانية، خصوصاً وأن حزب الله يمتلك مليشيا مسلحة ومدربه أفضل من غيرها، وتمتلك معدات عسكرية لا تمتلكها الدولة اللبنانية نفسها، هذا فضلاً عن سيطرته شبة الكاملة على الجنوب اللبناني، فهل ستستجيب القوى المتنازعة في لبنان لتأثيرات القوى الاقليمية والدولية التي لا تريد للبنان خيراً، وتعمل على الدخول مجدداً إلى دوامة الحرب الطائفية التي ستقسم لبنان وتضعفه ومن ثم تضعه تحت الوصاية الدولية – وهذا ما يراد له – ومن ثم يتم إخراجه نهائياً هو وسوريا من دائرة الصراع مع الامبريالية والصهيونية ، أم أنها ستفوت الفرصة على كل المتربصين بهم وبمستقبلهم ويحافظون على وحدتهم، هذا كله مازال حتى اللحظة برسم القوى اللبنانية.
واليمن هل انتهى الصراع فيه مع الحوثيين نهائياً وبلا رجعة، وهل توقف تنظيم القاعدة عن استهداف اليمن أرضاً وشعباً لشن هجماته على أهداف يمنية أو أجنبية داخل اليمن، ملبياً بذلك خدمة أهداف قوى خارجية لا تريد خيراً لليمن ولا لشعبة. أم أن ما هو مخفي أعظم أشد بلوه وقد تظهر مفاعيله هذا العام ويتجدد الصراع المسلح مع الحوثيين، إلى درجة أن تُجبر اليمين بفعل الضغوط الاقليمية والدوليةعلى منح الحوثيين إمارة خاصة بهم لضمان سلامة المنطقة الحيوية للغرب واقتصادياتهم. ويعود اليمن بعدها إلى مرحلة التقسيم من جديد.
وعمليات التفجير التي تستهدف مسيحي مصر، واثارة القلاقل والفتن والنعرات الطائفية بين عناصر الشعب المصرى، الأ تستهدف اشغال مصر بقضاياها الداخلية، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها،  إفساح المجال للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي المصري بحجة حماية الاقلية المسيحية وحقوق الانسان ، الأمر الذي يؤدي  إلى إضعاف مصر ومن ثم أبعادها عن إضطلاعها بدورها الاقليمي في المنطقة، بما يخدم المصلحة العربية والاقليمية.
أما عن الواقع الفلسطيني فحدث ولا حرج، الانقسام بين جناحي الوطن مازال على حالة ويدخل عامه الرابع، وآمال الجماهير الغزية والضفاوية في المصالحة صار أكثر بعداً عن التحقق، فهل سيجدد الشعب الفلسطيني في شطري الوطن آماله هذا العام مرة أخرى باحتمالية تحقيق المصالحة؟، أم أنها ستتبدد كما العام السابق؟. إن حجم المخاطر التي تتهدد القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني باتت أكبر من أي وقت مضى خصوصاً مع حكومة يمينية متطرفة، مدعومة داخلياً بقوة من الاحزاب اليمينية المتطرفة، ومجتمعاً يميل أكثر من أي وقت مضى إلى اليمين واليمين المتطرف، وخارجياً عجز أمريكي عن اجبار حكومة نتنياهو بوقف الاستيطان ولو مؤقتاً لمدة 90 يوماً رغم كل المغريات التي قدمتها أمريكا لإسرائيل.  إن الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية مستمراً ويسارع البرق لفرض وقائع على الأرض لا يمكن تجاهلها مستقبلاً. القدس تهود وعمليات الطرد لسكانها الأصليين تسير بالتوازي مع قرارات هدم أحيائهم وبيوتهم وذلك بهدف تحويلها إلى مدينة يهودية خالصة خالية من سكانها الاصليين العرب الفلسطينين، والاحتفاظ بها كعاصمة موحدة لدولة اسرائيل، وإبعاد إمكانية أن يأخذ الفلسطينيون منها شبراً واحداً. وغزة مازالت مكبلة بمنع الحركة والتواصل مع العالم الخارجي، والاعتداءات الاسرائيلية تستهدف يومياً أبناء غزة وتسقط الضحايا والشهداء بدون ذنب، وتتجدد الهدنه مع المحتل دون مقابل دون أن نصنع صلحاً داخلياً بمقابل حماية مشروعنا الوطني. والأكثر خطورة من ذلك أن حجم التضامن الدولي والشعبي مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أصبحت منقسمة هي الأخرى بفعل الانقسام الفلسطيني، مما سيدفع حتماً إلى تراجع هذا الدعم للشعب الفلسطيني وقضيته سواء كان اليوم أم غداً، إلى حد أنه قد يأتي وقت لا تستطيع هذه القوى الداعمة  التأثير على قرارات الحكومات الغربية، الأمر الذي يعيد نضالنا على الساحة الدولية إلى المربع الصفري الأول أي قبل 62 عاماً. وعند الشعوب العربية هل ما زالت القضية الفلسطينيه هي القضية المركزية لديهم ؟، أم أن مكانتها تراجعت أيضاً بفعل الانقسام؟ .
هذا هو جانب من صورة العالم العربي في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة وفي مطلع عام جديد، فهي بالتأكيد صورة قاتمة لا تدفع إلى التفاؤل بمستقبل جميل، ولا أرغب بزيادة الوضع قتامة لو أتيت على ذكر الصومال الذي قد يكون نُسي بأنه بلد عربي وعضو في جامعة الدول العربية، وكذلك دول المغرب العربي وموريتانيا . ألم تتنبه القيادات العربية والفلسطينية بأنها إذا لم تغير من سلوكياتها وتخفف من قبضتها الأمنية ضد شعوبها، وتشيع الممارسة الديمقراطية الحقيقية داخل بلدانها، وتدفع باتجاة التنمية الحقيقة لشعوبها، لن تجد الكرسي الذي كرست حياتها مقاتلة من أجله، وأن القوى الاقليمية والدولية التي تتلاعب بها يمنة ويسره لن تحميها وتحمي عروشها، بل ستكون أول من يؤيد ويقف بجانب من يلبي مصالحها أكثر منها، وهذا ما حصل مع كثير من القادة والزعماء العرب وغير العرب، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة وموجودة ولمن أراد أن يبحث عنها سيجدها في كتب التاريخ القريب وليست البعيد مدونة. إننا بحاجة إلى نهضة بل ثورة حقيقية شاملة تزيل عنا غبار السنين الذي تراكمت فوقنا، وأعطبت تروس ماكيناتنا وأوقفتها عن العمل والخلق والابداع، إننا بحاجة إلى نفض كل الافكار الوهمية التي عششت في رؤسنا وحولت حياتنا إلى كابوس مرعب منذ أن تجرأ معاوية على رأي الناس في اختيار من يحكمهم وحول الحكم إلى مُلك عضوض لإبنه يزيد وحتى يومنا هذا. إننا بحاجة إلى من يوحد قبائلنا العربية المنشطرة والمتشظية بفعل تأثير الاخرين، وأن يكون قادراً على  وقف هذا الانشطار الذي كاد أن يكون كانشطار الذرة لا نستطيع أن نحسب عدد الشظايا التي انشطرت منها . إن شعوبنا العربية تحتاج إلى أن تشعر بأنها ليست أقل من شعوب العالم المتحضر، تملك قرارها بيدها، تفرح بطريقتها وتحزن بطريقتها، تؤثر في شعوب العالم بقدر ما تتأثر منهم. أمة حيوية نابضة تسهم في الحياة الانسانية كما الاخرين. فهل هذا اليوم بقريب؟.
الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *