مقالات
الفتاوى بين الماضي والحاضر
بقلم: عطا أبورزق
لقد شاعت
في العام الحالي الكثير من الفتاوى الدينية الغريبة والبعيدة عن المنطق والتي لا
يستوعبها عقل، والتي هدفت إلى تغييب عقل الإنسان العربي والمسلم واستغلال العاطفة
الدينية لديه لدفعه إلى الركون
والاستسلام لأوامر أسياده، حيث جاءت في هذا السياق
فتاوى الشيخ يوسف القرضاوى في إباحة دم العقيد القذافي والسماح بالاستعانة بالقوى
الغربية في انتهاك سيادة ليبيا، وهناك الكثير من الفتاوى التي سارت في نفس سياق ما
ذهب إليه القرضاوى، والتي لا أريد أن أذكرها هنا الآن، ولا أريد أن أتحدث عن
الفتاوى الأخرى التي حرمت أكل وشراء الخيار والموز والجزر على النساء، وإباحة
معاشرة الزوج لزوجته الميتة وأكل لحم الجن ... الخ . ولكن ما أردت أن أذكره هو
فتوى قديمة صدرت عن الملك عبد العزيز بن سعود في أوائل القرن التاسع عشر علها تعطي
القارئ صورة أخرى عن تأثير هذه الفتاوى على مستقبل أمة بأكملها وإليكم القصة كما
وردت في العديد من كتب التاريخ وسيرة الملك ذاته التي وردت في كتاب أمين الريحاني
أحد مساعديه ( كتاب ملك الملوك)، وكما يرويها بشكل أكثر تفصيلاً الكاتب ناصر
السعيد حيث ينقل عن لسان المستر " ديلي " مساعد السير بيرسي
كوكس المعتمد البريطاني في العراق ويقول : " بينما كنت أقدم للسلطان العزيز على قلوبنا، عبد العزيز آل سعود في يوم 15 / 6 / 1916، قطم من أكياس الذهب والريالات المتأخرة لدينا من مرتباته ومرتبات قضاته وجنوده، ومعونات أخرى من المكتب الهندي الانجليزي، رأي عبد العزيز مجموعة من البدو في مجلسه يتغامزون ضده، وكأنهم اكتشفوا لتوهم علاقة عبد العزيز بالانجليز إذ تسائل أحدهم: " ما هي البضاعة التي ستدفعها يا عبد العزيز مقابل هذه الدراهم التي تقبضها من الكفار الانجليز ؟" فاستبقهم عبد العزيز وقال للبدو الحاضرين : " يالاخوان المسلمين، اتركونا من هالتغامز وعاونوا هذا الانجليزي الكافر على حمل الدراهم التي جاء بها ليدفعها جزية للمسلمين ولإمام المسلمين من الكفار الانجليز. فقد أرسل لنا الكفار جزيتهم. وماذا نفعل ؟ هل أخذ الجزية من الكافر حلال والا حرام يا مشايخ الدين؟! " قال المشايخ : بل هي حلال وأحل من الكمي – الكمي فطر ينبت في الصحراء شهي المذاق - . ويضيف المستر ديلي : ولم استطع كتم ابتسامة الرضى والإعجاب لنجاح تلامذة المكتب الهندي – المكتب المسئول عن المستعمرات الشرقية – ولقد ضحكت لهذه الفتوى ، كما سررت للفتوى التي أدلى بها العزيز المدلل عبد العزيز آلا سعود وأنقذ الموقف ، والحقيقة أنه كان أعز وأصدق وأذكى صديق أمّيّ عرفته بريطانيا في بلاد العرب، إذ استطاع الجمع بين الدين والعروبة وصرف المال بالقسطاس في سبيل أهدافنا، وبذلك أقنع لحسابنا العديد من زعماء العرب والمسلمين وزعماء فلسطين، بما لم يستطع الأصدقاء إقناعهم به. فقدم لبريطانيا خدمة جسيمة لا تقدر بثمن " .