مقالات
تغيير يوجب تغييرات
مقال
للرفيق عبد المجيد حمدان ( أبو وديده ) بمناسبة الثامن من آذار
عبد
المجيد حمدان
رافقت
احتفالات المرأة بعيدها هذا العام ، ظاهرة غير سارة . ظاهرة أشارت إلى بروز عقبات
نوعية جديدة ستعترض مسيرة نضال المرأة في الأعوام القادمة . فقد فاجأتنا التنظيمات
النسائية لأحزاب التيارات الإسلامية
، الفائزة في انتخابات بلدان الثورات العربية ، بخروجها في الثامن من آذار ، منادية ليس فقط بإلغاء هذه المناسبة ، بدعوى أنها بدعة غربية مستوردة ، بل وبالمطالبة بإعادة المرأة إلى البيت ، باعتباره مكانها الطبيعي ، انسجاما وتطبيقا لما أسمينه بشرع الله . هذا لا يعني فقط محاولة لسلب المرأة كل مكتسبات نضالها ، التي تجمعت على مدار عقود نضالها الطويلة ، بل ويعني الارتداد بها أربعة عشر قرنا ويزيد إلى وراء . والأهم أنه إنذار بخطر يتربص ليس فقط بحق خروجها إلى عملها ، بل وبفرص تعليمها مستقبلا
.هذا
الوضع المستجد يتطلب بداية رؤيته بجدية كاملة . ويتطلب ثانيا إعادة النظر في شكل ،
أساليب ، وسائل وأدوات نضال المرأة ،وفي المقدمة كل تلك الأشكال البيروقراطية التي
تهيمن على برامج ، عمل وإدارات منظماتها ومراكز فعلها . وإذا كان صحيحا الاعتماد
على حقيقة أن التطور الجاري على صعيد العالم ، سيحسم الأمور في النهاية ، فإن
الأصح يفرض عدم الركون إلى هذا العامل ، والاستمرار في الاعتماد على النشاطات
القائمة على أساسه . بمعنى أن مواصلة الوقوف عند الأساليب السابقة ، كالتمترس خلف
شعارات حقوق المرأة ، التي أقرتها المؤتمرات الدولية المختلفة ، لن يكون السلاح ذا
الفعالية الملائمة في المرحلة القادمة ، ومن ثم لن يأتي بالثمار المرجوة .، الفائزة في انتخابات بلدان الثورات العربية ، بخروجها في الثامن من آذار ، منادية ليس فقط بإلغاء هذه المناسبة ، بدعوى أنها بدعة غربية مستوردة ، بل وبالمطالبة بإعادة المرأة إلى البيت ، باعتباره مكانها الطبيعي ، انسجاما وتطبيقا لما أسمينه بشرع الله . هذا لا يعني فقط محاولة لسلب المرأة كل مكتسبات نضالها ، التي تجمعت على مدار عقود نضالها الطويلة ، بل ويعني الارتداد بها أربعة عشر قرنا ويزيد إلى وراء . والأهم أنه إنذار بخطر يتربص ليس فقط بحق خروجها إلى عملها ، بل وبفرص تعليمها مستقبلا
قبل
الثورات العربية اصطدم نضال المرأة العربية بقوى الدولة الكابحة لحريات شعبها ،
لكنها دولة اعتبرت نفسها جزءا من منظومة الدول التي لا تعارض علنا مقررات
المؤتمرات الدولية ، ولا تظهر نزعات للتصادم معها . وكان ذلك عامل ، رغم ضعفه يصب
في خانة نضال المرأة . لكن هذا الوضع تغير بصورة جذرية ، بعد المكتسبات التي
حققتها تيارات وأحزاب الإسلام السياسي ، في أكثر من بلد من بلدان الثورات العربية
. قد لا تستطيع هذه القوى الخروج الآن ، بإعلان سحب الاعتراف بتوصيات ومقررات
المؤتمرات الدولية ، باعتبارها متعارضة مع شرع الله ، لكنها تملك الأداة الأخطر ،
وهي خروج جماهير نسائها الغفيرة ، مطالبة بذلك . وأكثر من ذلك لتطبيق شرع الله
الذي لا يعترف بكل قائمة الحقوق التي ناضلت النساء من أجلها ، على مدار قرابة
القرن حتى الآن . ومن لا زال متشككا في ذلك ، عليه أن يتوقف متفكرا في النقاش الذي
يدور داخل حزب الحرية والعدالة المصري ، حول المناهج المدرسية وضرورة تعديلها ، لا
لشيء إلا أنها تتحدث عن المساواة بين البنت والولد ، وهو ما يخالف شرع الله .
ونعود
للتذكير بأن هذه القوى ترى في مقررات المؤتمرات الدولية ، سواء منها ما تعلق بحقوق
المرأة ، ومطالباتها العادلة بالمساواة ، أو ما تعلق منها بالحريات والحقوق
الإنسانية ، بدعا خارجة عن منطوق الدين ، توجب ليس المعارضة فقط ، وإنما المواجهة
، لما يوصف بوقاية مجتمعاتنا من آثامها . وهكذا ينتقل نضال المرأة من مواجهة مع
دولة بيروقراطية ، تخشى إعلان معارضتها للمطالب ، إلى المواجهة مع دولة عقائدية ،
ترى إعلان المعارضة ، وتفنيد المطالب ، من صلب مسؤوليتها . وفي الدولة السابقة ،
وفي محاولة للتمويه على مواقفها ، دأبت قياداتها على دفع نسائهم لتصدر المشهد .
ورغم ما في هذا الأمر من سلبية ، إلا أنه حمل بعض الإيجابية ، وبما سهل تخطي بعض
العقبات ، وساعد على تحقيق بعض المكاسب . الاختلاف الآخر تمثل في أن القوى الدينية
، وحتى قبل إكمالها لعملية مسك السلطة ، دفعت بمنظماتها النسائية للمواجهة . هذا
العنصر الجديد في المواجهة ، ليس فقط يدخل تغييرا كبيرا على المشهد ، وإنما يبدله
تماما . بمعنى أن المعارك القادمة ستأخذ شكلا نسائيا كاملا ، يقف الرجال فيه على
خلفية المسرح . وستكون مادته الصراع على الحقوق والواجبات التي أقرها الشرع . ولما
كانت أية معركة تتطلب التسلح بسلاح يتناسب مع متطلباتها . ولما كانت قيادات الحركة
النسائية قد اعتادت أشكالا من النضال ، غلب عليها الطابع البيروقراطي ، في الأعم
الأغلب ، ولما كانت غير مهيأة لهذا الشكل من المواجهة ، المواجهة الفكرية
والعقائدية ، فستكون هذه المواجهة ، ليس فقط بالغة الصعوبة ، ولكنها ستكون غير
مضمونة النتائج أيضا .
وهذه
المواجهة الموعودة ، بالتغيير الذي حدث ، كما أرى ، أكبر من طاقات المرأة وقدراتها
، بمنظماتها ، بمجالسها ، بهيئاتها ، بتنظيماتها في أحزابها وفصائلها ، خصوصا وأن
البيروقراطية تغلب على عمل فروع هذه التنظيمات كلها . أكبر ليس بسبب دخول منظمات
التيارات الإسلامية إلى الجبهة المضادة ، وتشكيلها طليعة المواجهة ، بل ولأن نظم
الحكم ، بقواها وقدراتها المتنوعة ، انتقلت من المناصرة الشكلية ، أو من عدم
المبالاة ، كما كانت في الماضي القريب ، إلى المواجهة الفاعلة ، ولو من خلال إسناد
منظماتها النسائية المضادة . هذا يعني وجوب مشاركة القوى والأحزاب ، التي تنص
برامجها على تبني قضايا المرأة ، بفعالية ، أو بتفعيل هذه البرامج ، في معارك
المرأة ، بصورتها الجديدة .
أكثرية
هذه القوى ، ومن يوصف باليسار منها على وجه الخصوص ، أفسحت لقضايا المرأة وحقوقها
في المساواة ، ونضالها ، مساحات مرموقة ، أو مقبولة ، في برامجها . والمفترض أن
عضو الحزب ، وهو من تقدم بطلب العضوية على أساس قبوله للبرنامج ، يلتزم ، ولا يقبل
فقط ، بما جاء فيه عن المرأة وحقوقها ونضالها للمساواة . ومن المفترض أن يكون
تحقيق ذلك جزء ا من برنامج عمله اليومي ، وهدفا يسعى ، ويناضل لتحقيقه ، كما هو
الحال مع سائر الأهداف الأخرى ، المحشوة في البرامج . لكن الوقائع تقول لنا أن
المفروض شيء ، والجاري شيء آخر .
فأن
يوافق مناضل يساري على ، أو يقبل بِ ، تحجب زوجته أو ابنته ، فذلك لا يدلل على
التزام بالحقوق ، أو احترام للحريات ، وفي المقدمة منها حريتهن في الاختيار كما
يقال . وأن يوافق على ذلك مناضلون قياديون ، يتقدمون الصفوف في أحزابهم وفصائلهم ،
مسألة تحتاج إلى وقفة مصارحة . هي قبل كل شيء مؤشر على حالة تراجع ، تستوجب ،
حفاظا على مسألة تطابق الشكل مع المضمون ، مبادرة هذه الأحزاب و الفصائل ، إما لشطب
باب حقوق المرأة من برامجها ، وإما العمل على تعديلها لتتلاءم مع القائم الفعلي ،
في السلوك والعمل .
كلنا
يعرف أن المرأة لا تختار لباسها بحريتها كما يُزعم . ولباس المرأة الحالي ليس نوعا
من الموضة ، وصل السوق ، انتشر وقبلته المرأة ، لأنه يناسب ذوقها ، ويتلاءم مع
طبيعة المجتمع . هذا لباس تم فرضه بالإكراه ، ومن تمانع في لبسه تتعرض لسلسلة
طويلة من المضايقات ، تجد معها الخضوع وقبوله ، أرحم من الاستمرار في التمسك
بحريتها في الاختيار . وللتذكير بجانب من مجريات الأمور نشير إلى التالي :
في
أواخر سبعينات ، وأوائل ثمانينات القرن الماضي ، وقبل أن يتحول تنظيم الإخوان
المسلمين إلى حماس ، وقبل دخولهم معترك النضال الوطني ، كرسوا كل نشاطهم على تحجيب
المرأة ، وفيما وصفوه بحسر انتشار الرذيلة . وفي أحياء غزة بادروا إلى التعرض لها
، برشقها بالسوائل الحارقة ، فيما بادرت فصائل اليسار ، تقدمها حزب الشعب –
الشيوعي آنذاك – للدفاع عنها . ووقعت صدامات بين الطرفين ، وصل جرحاها إلى
مستشفيات الضفة ، والمقاصد الخيرية في القدس للعلاج . لكن هذا الحال تغير بعد قرار
الإخوان بالتحول إلى حماس ، والدخول في المعركة الوطنية ضد الاحتلال . كانت مياه
كثيرة قد مرت من تحت الجسر كما يقال . ومع أن حماس استثمرت حال الوحدة الوطنية
الجديد ، لتصعيد معركتها بتحجيب النساء ، تراجع اليسار عن حال المواجهة السابقة .
صحيح أن عودة قيادة المنظمة ، وقيام السلطة ، خفف من حدة الهجوم الحمساوي المادي
على حرية المرأة آنذاك ، إلا أن المرحلة شهدت تصاعدا ، منسجما مع ما شاع في
البلدان العربية المجاورة ، ومصر بصورة خاصة ، في وتائر الإرهاب الفكري الموجه ضد
المرأة .
في
حوار ، بمناسبة الثامن من آذار ، على فضائية مصرية ، شاركت فيه ممثلة لحزب الحرية
والعدالة – الإخوان المسلمين – ، تحمل شهادة دكتوراه . في الحوار تفاخرت الدكتورة
بمزايا الشرع الإسلامي ، ونظرت لمحاوراتها بازدراء ، وهي تعرض رؤية الشرع لعورة
المرأة . تبجحت بأن عورة الأمة ، وهي المسلمة المؤمنة ، ولكن العبدة ، بين السرة
والركبة ، مثل الرجل تماما . وقالت نظراتها المزدرية لمحاوراتها ، وهي تركز على
لباسهن : أنا الحرة وأنتن مجرد إماء . ولم تسألها أي منهن عن ما يحمله هذا التصنيف
الإسلامي من إنصاف لبني البشر من جهة ، ولا عن منظومة الأخلاق التي يصدعون رؤوسنا
تباهيا بها ، وهي تقوم على هذا التمييز الفظ بين مسلمات مؤمنات ، أي من نفس النوع
من بني البشر ، من جهة أخرى .
وإذن
كان على اليسار أن يواصل معركته ضد هذا الإرهاب الفكري ، لكنه بكل أسف نكص على
عقبيه . وعُزي هذا النكوص لما أصاب نظريته الثورية من عطب ، بعد سقوط وتفكك
المنظومة الاشتراكية ، وهجر بعض هذه القوى للماركسية . وبان من مسلك قيادات
ماركسية أن النكوص عن النظرية ، واكبه نكوص عن منظومة القيم الثورية ، وفي المقدمة
منها حرية المرأة ومساواتها ، وقيام عقد الزوجية على مبدأ المشاركة ، بديلا
للتبعية .
في
البداية نُظر لاستجابة المرأة لحملات الإرهاب الفكري المركزة ، ونزولها على إرادة
التحجيب ، وإذعان قوى اليسار لهذا الحال ، على أنه نوع من الاعتراف ، فالإذعان ،
لسيطرة تيارات الإسلام السياسي على الشارع . وبدا انتقال لباس المرأة إلى التحجب ،
ثم إلى التنقيب ، كمؤشر لا تخطئه العين ، على الهيمنة السياسية لفكر تيارات
الإسلام السياسي على الشارع العربي ، وليس على شارع الأرض المحتلة وحده . وحين
انتقل الحديث إلى ما يوصف بحالة الاستقطاب بين فتح وحماس ، جاء ذلك بمثابة البرهان
على انسحاب قوى اليسار ، من معركة الدفاع عن الحريات ، وفي المقدمة منها حرية
المرأة ومساواتها .
والآن
لا أظن أن أحدا ، من الذين قبلوا بتحجيب بناتهم وزوجاتهم ، يجري حوارا مع أهل بيته
، يتصدى فيه لسيل الخرافات والأساطير الذي اجتاح ، ويستمر في اجتياح هذا البيت .
ولا أظن أن أيا منهم يعنيه ما تحشره المدرسة من خرافات في رؤوس أطفالهم . ولا أظن
أن أيا منهم لا يعرف أن المسألة تتعدى مسألة اختيار موضة للباس ، إلى مسألة تثبيت
مبادئ انعدام المساواة وانتقاص الحقوق وسلب الحريات . لا أظن أن أيا منهم لا يعرف
أن ذلك يحمل بوادر تعطيل نصف المجتمع ، ومن ثم دق كل المسامير في نعوش القضايا
الوطنية ، والقضية الفلسطينية في المقدمة .
لكن
المشكلة تتمثل الآن في أن المواجهة انتقلت من التشابك بالأيدي ، كما كان في
السبعينات ، إلى الاشتباك بالأفكار . وفيها لا يكفي الاعتراف بحقيقة أن الفكر
الديني قائم على التمييز ، وتكريس دونية المرأة ، وتحديد وظيفتها في الحياة بخدمة
زوجها ، وتلبية كل طلباته ، مهما بلغ بها الشطط . لا يكفي الاعتراف بأن حقوقها
التي يتباهى الأئمة والوعاظ بطرحها ، لا تزيد في قليل أو كثير ، عن حقوق أي حيوان
أليف يعيش في نفس المنزل . ولا يكفي للمواجهة التسلح بما أقرته مختلف المؤتمرات
والمواثيق الدولية من الحقوق . باتت الآن هناك ضرورة لمنازلة هذا الفكر في عقر داره
، واثبات انتهاء صلاحيته . لكن ذلك يحتاج إلى الحصول على المعرفة من ذات الحقل ،
فهل يقف اليسار على قدميه كي يفعل ذلك ؟