جاري تحميل ... مدونة عطا ابو رزق

إعلان الرئيسية

أخر الموضوعات

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

ما بين الحقيقة والاسطورة - عن البيت العتيق والحج ومناسكه وطقوسه


الاسطورة والتراث. سيد القمني
عن البيت العتيق والحج ومناسكه.


إعداد: عطا حسن أبو رزق

يقول سيد القمني في كتابه الاسطورة والتراث: بأنه بعد إنهيار مركز اليمن السعيد التجاري، ودمار سد مأرب الشهير، نزحت القبائل اليمنية نحو الشمال، لتستقر في أنحاء من بلاد العرب، واستقرت أكبرها (خزاعة) في المنطقة التي أصبحت تعرف بأسم مكة. ومن الطبيعي أن تحمل هذه القبائل في رحلها معتقداتها وطقوسها الدينية، ومن الطبيعي أيضاً أن يرحل (رب البيت) مع أصحابه ليتقدس له بيت جديد على ألأرض في مكة؟!

ويشير القمني إلى ملاحظة الباحثة اليمنية (ثريا منقوش) في التشابه بين ما أعتقدت أنه إله قمري لسبأ باسم (المقة) وبين (مكة)، وربطت بين الاثنين في ضوء ما جاء عند (بن طيفور المصري) و (القيراواني) عن بعض أهل اليمن ولكْنهم القاف كافاً، وما جاء على لسان النبي (محمد) (صلى الله عليه وسلم) حول الفقه اليماني والحكمة اليمانية، لتصل من ملاحظتها إلى أن أهل اليمن هم أصل التوحيد الذي جاء بعد ذلك في الدين الإسلامي، ويضيف القمني: بأنه يتصورأنه بعد الجهد في التعامل مع الاسم (المقة)، يمكن أن تكون ملاحظة الباحثة حول التشابه بين (المقة) و (مكة) قد تدعمت بشكل كاف، وأن تعامله مع الطقوس التي صاحبت البيت المكي الحجازي، سيضيف إلى (منقوش) مزيداً من الدعم والاسانيد، في احتمالها أن يكون (مكة) الحجازي هو (المقة) اليمني، وخاصة مع ما جاء عند (المسعودي) عن البيت الإلهي الحجازي أنه خطط أصلاً لعبادة الكواكب السيارة. وغني عن الذكر أن أبرز الكواكب السيارة المؤلهة هي القمر الأب والشمس الأم والزهرة الأبن، أو الرب (ال) والأم (الإت)، والأبن (عثتر).
ويضيف بأنه ورد في الروايات الإسلامية أن منطقة الحجاز كانت صحراء بلقاء، حتى انفجرت زمزم تحت خد (إسماعيل) طفلاً، فكان أول من جاء واستقر بجوار البئر ركب من اليمن. مضافاً إلى ذلك ما جاء عن (عمر بن لحي الخزاعي) عند الاخباريين المسلمين، باعتباره أول حاجب للبيت الحجازي الإلهي، وفي ذلك إشارة واضحة كما يقول القمني إلى بداية حجابة هذا البيت مع الخزاعيين القادمين من اليمن، وخاصة إذا علمنا أن هذه الحجابة الأولى للبيت، لا تبعد – زمانياً – عن تاريخ دمار سد مأرب وتشتت القبائل اليمنية بأكثر من نصف قرن. مع لمحة هامة جاءت في كتب التراث الإسلامي، وتحكي عن (تبع الثاني) أحد ملوك اليمن، الذي قدم البيت الإلهي الحجازي، وطاف به، وقام ينحر للناس ويطعمهم، ثم كسا البيت بالبرود اليمنية، وجعل له مفتاحاً. ذلك المفتاح الذي استلمه الخزاعيون، وأصبح فيما بعد محل صراع ونزاع وانتهى به إلى يد (قصي بن كلاب)، الذي ألف القبائل (وقرشهم تقريشاً ومنها قريش) ضد خزاعة، وأخرجهم وانتزع منهم البيت الإلهي. ويشير القمني هنا إلى أنه سواء حدثت قصة (تبع الثاني) أم لم تحدث فهي تعبير عن ترجيع الذاكرة لصدى أحداث وظروف نشأة البيت وعلاقته بأهل اليمن، حتى جعلت مفتاحه بيد اليمنيين.
ويشير أيضاً إلى ما أكدته الباحثة (منقوش) أن كثيراً من عادات الحج للبيت الحجازي، كانت على غرار التقاليد اليمنية القديمة في تأدية فروض العبادة والحج للإله (المقة) وإن كانت لم تورد مؤيدات واضحة لتأكيدها هذا.
عبادة الجنس
يقول القمني: وسمى الموضع المقدس المحرم الحرام في الحجاز بالاسم (مكة)، واطلق على إله هذا الموضع المقدس اسم (رب البيت)، وكان التعبير (رب البيت) هو التعبير الدارج والمفضل قبل الإسلام  كما شاهد في كتب التاريخ الإسلامي، ويضيف، أما رب البيت عند عرب قبل الإسلام، أو ما اصطلح علي تسميتهم بالجاهلين، فقد حمل الاسم (الله)، ولعله ليس بخاف أن الله هي من (إل) و (إله ن)، بعد أن حلت أداة التعريف في اللغة العربية العدنانية (الألف واللام) في أول الكلمة محل أداة التعريف القحطانية واليمنية (ن)، إضافة إلى (إلات) الإلهة المقدسة والزوجة الأم، و (هبل) كبير أصنام الكعبة، ويظن القمني بأن (هبل) قام بدور الإله الابن، إذا ما أخذ في الحسبان حسب قول القمني بأن الاسم (هبل) هو في الأصل (هـ – بعل) أو (هبعل) والهاء كانت أداة التعريف في العربية الشمالية وظلت على حالها، بينما أهملت العين بالتخفيف مع مرور الزمن، أم (بعل) في (هبعل) فهو اسم إله الخصب في البلاد الكنعانية الشامية المتصلة جغرافياً وتجارياً بمنطقة مكة اتصالاً وثيقاً، ويوضح القمني بقوله: بأن بعل كان إلهاً معروفاً ومنتشراً انتشاراً هائلاً في البلاد الشامية كإله للخصب، وصاحبته طقوس جنسية تفشت تفشياً عظيماً في مختلف تلك المناطق، وقد كان في الاساطير الأوغارتيه الشامية ابناً للإله (إل).
ويرى القمني، بأن توسط منطقة (مكه) بين بلاد الشام وبلاد اليمن، وما كان من تواصل مستمر بينها وبين مكة، أدى إلى تداخل بين عقائد المنطقتين في مكة، فدخل (بعل)، وحل محل (عثتر سمين) كأبن للإله أو (إل)، ويلقى لنا الاخباريون المسلمون بظلال هذا التداخل في الرواية التي تقول: إن (عمر بن لحي الخزاعي) سافر من مكة إلى الشام في تجارة، فرآهم يتعبدون لآلهة الخصب هذه، وكان مما احضره (هبل وإساف ونائلة) فوضع هبل في فناء الكعبة، ووضع (إساف) على الصفا ووضع (نائلة) على المروة.
ويطرح القمني التساؤل التالي: بأن إذا كان (هبل) في الأصل (بعل) إله الخصب صاحب الطقوس الجنسية فهل عرف البيت الإلهي الحجازي هذا النوع من الطقوس؟ ويؤكد، بأنه إذا كان ذلك كذلك، فإنه سيدعم الاحتمال الذي سبق وأن طرحه القمني عن ترجيح وجود عبادة جنسية غابرة في عبادة (المقة) اليمنية.
وفي محاولته للإجابة على هذا السؤال سيبدأ مع (إساف)، و (نائلة).
فيقول: تقول كتب التاريخ الإسلامية: إن الصنم (إساف) كان معبوداً ذكراً على جبل الصفا وأن الصنم (نائلة) كان معبوداً أنثى على جبل المروة، وأنهما كانا شخصين حقيقيين، دخلا فناء الكعبة، وهناك فجر إساف بنائلة، فمسخهما الله هذين الصنمين!!
وتساؤل أخر للقمني يقول: كيف للعقل أن يستسيغ هذه الرواية الإسلامية عن (إساف) و (نائلة)، في ضوء حقيقة أن الصفا والمروة كانا مقدسين لدى الجاهليين، كذلك (إساف) و (نائلة) كانا ربين جديرين بالتبجيل والتقديس، وكانوا يسعون بينهما سبعة أشواط ويتمسحون بهما، ويقصون شعورهم عندهما، في طقس هام من طقوس الحج. وعندما جاء الإسلام أقر السعي بين الصفا والمروة أشواطاً سبعة، واعتبرها من شعائر الله في الحج، فهل كان عربي قبل الإسلام، يقدس ويبجل من ذكرت الرواية الإسلامية أنهما فجرا ومارسا الفعل الجنسي في فناء الكعبة.
ويورد القمني هنا مجموعة من الحقائق التي تؤكد روؤيته وترجيحه بوجود عبادة جنسية في المنطقة وأولى هذه الحقائق:
يقول القمني: أنه لا يمكن فهم هذا الأمر إلا إذا كان فعل (إساف) و (نائلة) بالكعبة في نظر عبادهما ليس فُجراً إنما عملاً مقدساً، وأنهما يمثلان عبادة جنسية سادت زماناً في هذه المنطقة، وأن السعي بينهما لم يكن في المقاييس الخلقية القديمة أمراً مشيناً، إنما كان نوعاً من العبادة المقدسة والمقررة في نظر أصحابها، والتي كانت منتشرة في بقية بقاع المنطقة إنتشاراً هائلاً، خاصة في بلاد الشام والعراق بوجه خاص، وبقية بلاد الهلال الخصيب بأكملها، دونما إحساس بأنه أمر مخجل أو معيب، وكل ما في الأمر أن يستسيغوا الأمر على هذا الشكل، فسموا الفعل الجنسي المقدس فُجراً قام به (إساف) و (نائلة) فمسخا صنمين.
والحقيقة الثانية التي يذكرها القمني للتأكيد على رؤيته يقول فيها:
العجيب أن الروايات الإسلامية عندما أرادت تفسير سر استمرار تقديس الصفا والمروة في الإسلام، واستمرار السعي بينمهما في شعائر الحج الإسلامي، استبدلت الذكر (إساف)، والأنثى (نائلة)، بذكر وأنثى مرة أخرى، ممثلين في (أدم) و (حواء) ليقوما بالفعل الجنسي بدلاً من (إساف) و (نائلة)، حيث أمر الله (جبريل) أن يُنزل (أدم) من على الصفا و (حواء) من على المروة إلى خيمة نصبت موضع البيت، وهناك جمع بينمهما في الخيمة، وساعتها أضاء قضيب الخيمة الذي كان من ياقوت أحمر، ثم أمر الله (جبريل) بعد هذا الجمع أو الجماع، أن ينحي (أدم) و (حواء) عن موضع البيت ليرفع ماكته قواعد البيت، فهبط (جبريل) مرة أخرى، وأخرجهما من الخيمة، وبني البيت بحجر من الصفا وحجر من المروة، أو بمزيج من الذكر والأنثى؟ بل يقال أن ما لله تعالى من منسك أحب إليه من موضع المسعى بين الصفا والمروة.
وحقيقة ثالثة يقول فيها:
هناك رواية إسلامية أخرى تقول إن (أدم) و (حواء) عندما هبطا من الجنة نزلامفترقين وظلا هائمين حتى التقيا، وعرف (أدم) و (حواء) (أي جامعها، والتوراة بشكل خاص تصر على استخدام لفظ عرف بمعنى جامع على جبل عرفة، لذلك عرف الجبل باسم عرفة لأن (أدم) عرف أو جامع (حواء) عليه)؟! ومن هنا تقدس الوقوف بعرفة، وكان الوقوف بعرفة من أهم مناسك الحج الجاهلي، فكانوا يتجهون إلى هناك ذرافات ذكوراً وإناث يبيتون ليلتهم حتى يطلع عليهم النهار. وإن العقل ليتساءل أمام مشهد ألوف الرجال والنساء يتجهون إلى الجبل ليبيتوا هناك جميعاً حتى الصباح: ما وجه القدسية في هذا الطقس؟ إن لم يكن من قبل ذلك تجمعاً لممارسة طقس الجنس الجماعي طلباً للغيث والخصب، مع ملاحظة أن عرفة يطلق عليه الجميع (عرفات)، ولا نعرف جبلاً يجمع اسمع إلا (عرفات)؟! فهل الجمع هنا للجبل أم للمجتمعين على الجبل في حالة جماع، أو عرفات يماثلون به الفعل الأول الذي قام به (إساف) عندما عرف (نائلة)، أو (أدم) عندما ضاجع (حواء)، أو إله القمر (إل) عندما جامع الشمس (إلات).
ويشير القمني إلى مجموعة من الطقوس التي كانت تمارس قديماً في موسم الحج فيقول:
 لو عدنا إلى طقوس الحج الجاهلي فسنجد طقساً عجيباً ومثيراً، وهو أنهم كانوا يطوفون حول البيت الإلهي ذكوراً وإناثاً عراة تماماً، فما الداعي لهذا العري إن لم يكن بغرض يستحق العري؟ وعندما جاء الإسلام جعل للإحرام زياً لا يستر إلا العورة، بل وحرم لبس المخيط وكره لبس الطيلسان المزرر للمحرم.
ويورد رواية إسلامية أخرى تقول: بأن الحجر السود كا أبيض لكنه اسود من مس الحيض في الجاهلية؟ أي أنه كان هناك طقس لدى الجاهليين تؤديه النساء في الحجر، وهو مس الحجر الأسود بدماء الحيض، ودماء الحيض بالذات؟!! وقد كان دم الحيض عند المرأة في اعتقاد الأقدمين هو سر الميلاد، فمن المرأة الدم، ومن الرجل المني، ومن الإله الروح. علماً أن الدورة الشهرية للمرأة تتوافق مع حركات القمر توافقاً بيناً، وكان (إل) كما علمنا هو إله القمر؟!
ويعتبر القمني بأن طقس الاحتكاك بالحجر الأسود بانه طقس عجيب، وأن كلمة حج مأخوذة أصلاً من فعل الاحتكاك، فهي في أصلها من (ح ك)، مع الأخذ بالاعتبار هيئة الحجر الأسود وشكله. ويذكر بأنه قد ورد في الروايات الإسلامية أن (جبريل) بعد ان أخذ (أدم) وأراه مناسك الحج كلها قال له: "إن الله تبارك وتعالى قد غفر لك توبتك، وحلت لك زوجتك". وفي التفسير أن مكة سميت بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء، وأن الحطيم ما بين الحجر الأسود وباب البيت سمي حطيماً لأن الناس يحطم بعضهم بعضاً هناك.
ويضيف، بأن الروايات الإسلامية تقول إن (عمرو بن لحي الخزاعي) أحضر (هبل) و (إساف) و (نائلة) من (هيت) على شاطئ الفرات فوق الأنبار من نواحي بغداد. ومعروف لدى جميع الباحثين أن هذا المكان بالذات كان مرتعاً تفشت فيه عبادة الخصب وطقوس الجنس بشكل وبائي حاد. وأن العرب قدسوا من سموهم بنات الله وكن بالدرجة الأولى تمثيلاً للقوى المولودة في الطبيعة. وكان لقريش وبعض العرب شجرة خضراء عظيمة يقدسونها تسمى (ذات أنواط)، والاسم (ذات أنواط) هو أحد القاب الشمس التي عرفناها بالاسم (إلات) كإلهة أم أنثى، وفي ذلك ما يدعم علاقتها بالخصب والجنس في نظر العرب، كما كان لمزدلفة كشعيرة حج – في الأصل – إله يدعى (قزح)، وهو إله برق ورعد ومطر.
لم يتوقف القمني عند هذا الحد من سرد التفاصيل المتعلقة بالطقوس المتعلقة بالحج إلى البيت الإلهي الحجازي كما أسماه، لكننا سنتوقف عند هذا الحد من إيراد أهم ما ذكره حول هذا الطقس الديني عند المسلمين حالياً وعند العرب ما قبل الإسلام.

الوسوم:
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *